نشر المفكر والناقد الأدبي عطية مسوح هذه المقارنات الغزلية اللطيفة:
كثيراً ما تنمّ الصورة الشعريّة, أو اللمحة الشعريّة, عن ذكاء الشاعر وخفّة ظلّه. يقول مجنون ليلى مبيّناً رسوخ حبّ حبيبته في قلبه:
لقد ثبتت في القلب منكِ محبّة / كما ثبتت في الراحتين الأصابعُ
أمّا جميل بثينة فيقول بعد أن حالت الحياة بينه وبين حبيبته, وغدت غير قادرة على وصله:
وإنّي لأرضى من بثينة بالذي / لو ابصره الواشي لقرّت بلابلهْ
بلا,.. وبألّا أستطيعَ,.. وبالمنى / وبالوعد حتّى يسأمَ الوعدَ آملُه
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي / أواخرُه لا نلتقي وأوائلُه
فبقدر ما تدلّ الأبيات المذكورة على عمق الحبّ ومرارة الحرمان تدلّ على ظُرْفِ الشاعر وهو يصوّر تعاسته.
ولعلّ صيغة القَسَم التي نسجها ابن الدمينه وقد أضناه “سعي الدهر” لإبعاد حبيبته عنه, تُعبّر عن طول عراكه مع الدهر الظالم والمجتمع القاسي:
أما والذي أبكى وأضحكَ والذي / أماتَ وأحيا والذي أمرُه أمرُ
لقد تركَتني أغبط الوحشّ أن أرى / أليفين منها لا يروعهما الذعرُ
وفي المقارنة بين صورة وحوش الغابة وهي تتواصل بلا خوف من رقيب وصورة الشاعر الذي أبعد المجتمع حبيبته عنه يجد القارئ الظُرفَ والطرافة في التعبير عن الألم.
ومن دلائل الذكاء وقوّة الموهبة قدرة الشاعر على الوصول بتعبيره إلى مستوى إحساسه, إذ غالباً ما يأتي التعبير أدنى من الإحساس.. وتظهر هذه القدرة على شكل صورة مدهشة أو دفقة وجدانية تحملها كلمات رهيفة معبّرة, كما في قول أبي صخر الهذليّ:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستُها / وينبتُ في أعطافها الورق النضرُ
فكم في كلمة (تندى) وصورة (ينبت الورق النضر) من طاقة للتعبير عن الإحساس بالرقة والحنان والنعومة والانتعاش…!