تتميز مدينة حماة بكثرة التلال فيها، فمعظم أحياء حماة تتموضع على التلال مثال الدباغة والباشورة والعليليات وعين اللوزة و البياض و المحطة والجراجمة و الحاضر وغيرها بحيث إن منتصف البلد في ساحة العاصي هو الذي يقع في المنخفض ومنها يتم التوجه صعوداً نحو معظم أحياء حماة، لذا كان يطلق أحياناً على حماة اسم (جورة الهم) الأمر الذي يجعل من الدراجات الآلية هي الوسيلة الأكثر استخداماً في التنقلات، بينما الدراجات الهوائية هي الوسيلة الأكثر استخداما في حمص ذلك أن حمص تكاد تكون خالية من التلال.
لذا و منذ وصول الدراجات الآلية إلى سورية فقد كانت مدينة حماة هي المدينة الأكثر استخداما للدراجة الآلية وأكبر دليل على ذلك أن الدكتور وجيه البارودي و لدى بداية ممارسته لمهنة الطب في حماة ومنذ ثلاثينات القرن الماضي فقد اقتنى دراجة آلية بداية الأمر كي يتوجه بها إلى فحص المرضى ومعاينتهم في بيوتهم . في الخمسينات من القرن الماضي انتشرت الدراجات الآلية الكبيرة ذات الخمسة أحصنة وهي إنكليزية من نوع ميشليس و B.S.A و كانت تستعمل للطلبات إلى قرى المحافظة حيث كانت تقف إما في دوار المحطة أو في ساحة الحاضر و كان يمتطي الواحد منها أربعة أشخاص بسهولة ذلك أن صاحب الموتور قد أضاف له سيباية كذلك فقد كانت توجد دراجات آلية صغيرة المائية من نوع MiELE وهذه الدراجات لا تتجاوز سرعتها بحدها الأقصى الثلاثين كيلومتراً في الساعة، وكانت تستعمل بشكل شخصي كبديل للدراجات العادية إلا أنه وفي عام 1962 انتشرت دراجات آلية إيطالية من نوع لامبريتا لتغزو طرق و شوارع حماة و كانت تسمى سيارة بدولابين ذلك أن سائق الدراجة يجلس جلوسا على مقعده وليس ركوبا ما يسهل قيادتها من المرآة أيضاً، وكان لها دولاب احتياطي حتى إذا بنشر دولاب الدراجة فإنه يتم تركيب الدولاب الاحتياطي بفترة لا تتجاوز الثلاث دقائق مما اشتهر عن الدراجة المذكورة بيت شعر هو:
وموتور كريم الأصل إيطالي
له شكلان نسواني ورجالي
كان في محافظة حماة وكيلان لدراجات اللامبريتا ففي حماة كان المرحوم معاوية قنباز وكان محله واقعا مقابل سينما حماة بشارع المرابط أما في محردة فكان الوكيل هو المرحوم محفوض بيجو وكان محله واقعا في ساحة محردة .انتشرت تلك الدراجات في محافظة حماة بسرعة و كان عددها كبيراً لا سيما في حماة بسبب مواصفاتها و لكونها مريحة كما أنه كان بإمكان أي شخص أن يحتويها فسعر الدراجة في حينها كان 2400 ليرة تقسيطا و 2250 ليرة نقداً. لذا كان الغالبية قد اقتنوها تقسيطا لاسيما معلمو المدارس و الموظفون فسعرها بالتقسيط هو 2400 ليرة كما أسلفت يقوم المشتري بدفع 500 ليرة سورية دفعة أولى و الباقي 1900 ليرة سورية يتم تقسيطها على تسعة عشر شهراً كل شهر مئة ليرة . أما استهلاكها من البنزين والزيت فكان قليلا لأن الزيت كان يمزج مع البنزين لذا فقد كان استهلاكها بمعدل تقريبي ليتر واحد من البنزين لكل 40 كيلو متراً و كان سعر ليتر البنزين مع الزيت في حينه خمسة وخمسين قرشا و ليتصور القارئ أن قيمة ما تستهلكه اللامبريتا من حماة إلى دمشق هو بحدود الثلاث ليرات لقد كانت أجرة الراكب بالباص إلى دمشق ثلاث ليرات بينما لو توجه شخصان إلى دمشق على متن دراجة اللامبريتا لكانت كلفة الراكب الواحد ليرة و نصف و هي نصف أجرة الراكب بالباص بينما أجرة الراكب بالسيارة الصغيرة كانت سبع ليرات سورية. لقد بلغ عدد دراجات اللامبريتا في حينها في محافظة حماة حوالى ألف دراجة حسب قيود مديرية المواصلات آنئذ إلى جانب دراجات اللامبريتا، فيما بعد انتشرت الدراجات الآلية من نوع زنداب أصفر و هي دراجات ألمانية غربية مستعملة كان يستعملها سعاة البريد في ألمانيا الغربية آنذاك حيث قررت الحكومة الألمانية تنسيقها لذا قام المرحوم الحاج محمد طالب آغا من حماة بشراء كمية من تلك الدراجات وصار يبيعها نقداً و تقسيطاً فالسعر النقدي كان 1000 ليرة أما سعر التقسيط فهو 1100 ليرة يقوم المشتري بدفع 200 ليرة دفعة أولى و الباقي يتم تقسيطه على 12 شهراً بمعدل 75 ليرة . وهذه الدراجات تم اقتناؤها من قبل أصحاب المهن كالحدادين والنجارين وعمال البناء لما تتمتع به من متانة و تحمل كذلك انتشر أيضاً في حينها دراجات المائية شرقية من نوع سيمسون وكان وكيلها بحماة أيضا المرحوم الحاج محمد طالب آغا وكان سعر الدراجة 600 ليرة نقداً و 700 ليرة تقسيطا حيث يقوم المشتري بدفع مئة ليرة سورية دفعة أولى و الباقي يتم تقسيطه على 12 شهراً بمعدل خمسون ليرة سورية كل شهر و كان معظم من اقتنى تلك الدراجات هم المعلمون الذين كانوا يقومون بالتدريس في القرى حيث كانوا يتوجهون إلى مدارسهم صباحا من حماة ليعودوا بعد انتهاء الدوام . قد يبدو سعر الدراجة للقارئ قليلاً نوعاً ما، و لكن لو عدنا إلى سعر دراجة لامبريتا وهو 2400 ليرة ففي حينها كان سعر الدولار أربع ليرات و كان راتب المعلم بحدود 300 ليرة شهرياً أما إذا تم حسابها على سعر اليوم فإن سعر الدراجة هو بحدود النصف مليون ليرة لا تستغرب عندما ترى الأسعار الحالية للدراجات الصينية والمحلية بمئات الآلاف من الليرات. وإلى جانب الدراجات النارية المذكورة فقد انتشرت أنواع أخرى من الدراجات النارية و لكن على نطاق محدود مثل فكتوريا وجاوا وغيرهم.
كثرت الرحلات الفردية والجماعية إلى الساحل والسوري والمصايف على تلك الدراجات كما أقيمت المخيمات في منطقة الباص على ساحل بانياس وكان معروفاً عن هذه المنطقة أنها منطقة تخييم للحمويين حيث كان الحمويون يخيمون في تلك المنطقة عند مصب النهر على البحر فقد كانوا يسبحون بماء البحر ثم يغتسلون بماء النهر. أنا شخصياً اقتنيت عام 1964 دراجة بالتقسيط نوع لامبريتا وبقيت عندي عشر سنوات وكانت جزءاً من شخصيتي ذلك أنني كنت أقوم بتدريس مادة اللغة الفرنسية في إعداديات وثانويات حماة، و كنت أتنقل بين المدارس بواسطة تلك الدراجة وغالباً عندما يتعرف شخص على أحد أبنائي يقول له أنت ابن الأستاذ معتز الذي كان عنده موتور لامبريتا طحيني . أما أنا فعلى موتور اللامبريتا لم أترك مكاناً في سورية إلا و زرته فإلى دمشق سافرت على اللامبريتا ربما أكثر من خمسين مرة حيث كنت أقدم فحوصي الجامعية إضافة إلى النزهات إلى بلودان و الزبداني . كذلك فإنني سافرت على اللامبريتا إلى القامشلي وكذلك إلى درعا وبصرى الشام . أيضاً بالنسبة للرحلات إلى اللاذقية والساحل السوري والمصايف فحدث ولاحرج و أذكر أنني في عام 1965 ومع أحد أقربائي ذهبنا إلى اللاذقية حيث نمنا في اللاذقية واليوم التالي توجهنا إلى رأس البسيط ومن رأس البسيط عدنا إلى اللاذقية فحمص ثم تدمر مباشرة لننام تلك الليلة في تدمر ومن ثم نعود في اليوم التالي إلى حماة قاطعين بذلك حوالى ألف كيلو مترخلال يومين . كانت قطع التبديل لتلك الدراجات متوفرة بكثرة وأسعارها كانت معقولة. ويوم مازلت أرى في بعض الأحيان في شوارع حماة بعض ما تبقى من القليل القليل من تلك الدراجات حيث أستعيد بها تلك الذاكرة الجميلة من حوالي ستين عاماً.
وإلى اللقاء في ذاكرة قادمة
المحامي معتز البرازي