تعد الأسرة المسؤولة الأولى عن تنمية المواهب الإبداعية عند الطفل، وهي مسألة تقع ضمن مهام الآباء والأمهات في آن واحد، لكن في الوقت الذي نرى فيه بعض الآباء يعطون هذا الجانب جل اهتمامهم ويعملون بكل السبل على تطوير مواهب أبنائهم وتنميتها نرى قسماً آخر يغفله إما لعدم الاهتمام أو لأن مشاغل الحياة هي من تبعدهم ما يجعل مواهب الطفل تتلاشى وتضيع دون أن يدركوا حجم الفائدة التي تعود على أولادهم عندما يهتمون بقدراتهم وإبداعاتهم، فما هو التعامل الأمثل مع مواهب أطفالنا؟ وما هو الدور المنوط بالأسرة تجاه طفلها؟
ضرورة الاهتمام بالأطفال
تقول أم محسن وهي أم لثلاثة أولاد: إن لديها بنتاً تحب الرسم بشكل كبير وبدأ تميزها في المادة من خلال الرسومات المتعددة حتى أن مدرسي المادة كانوا يثنون عليها بشكل دائم، وأضافت كنت دائماً أشجعها بشراء كل ما يلزمها وكل ما يشجعها على التميز برسوماتها من خلال إحضار الألوان بكل أنواعها وغيرها من المستلزمات، إضافة إلى أنني قمت بتسجيلها في دورة لتعلم أصول الرسم بما يسهم في تنمية موهبتها وتطويرها وهاهي اليوم وبعد ثلاثة أشهر فقط من اتباع الدورة تبدع في الرسومات.
وتنصح أم محسن جميع الأهل بضرورة الاهتمام بالأولاد ومراقبة سلوكياتهم وميولهم ومعرفة مواهبهم لتنميتها .
كذلك مريم قالت ابنتي ومنذ طفولتها تتميز بخط جميل ملفت وكانت معلمتها دائما تركز على هذه الناحية وتكتب ملاحظات تحثنا على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب وضرورة تسجيلها في دورات لتنمية الخط في بداية الأمر لم نأخذ الموضوع بجدية ولكن فيما بعد أصبح الموضوع ملفتاً حتى أنها أصبحت رائدة على مستوى القطر في مجال الخط والآن تخضع لدورات لتنمية هذه الموهبة.
اعتراف بالخطأ
وفي جانب آخر نرى أنه يوجد بعض من الأهالي من يعترف بخطأه لعدم اهتمامه بمواهب أبنائه حيث تقول ربا وهي أم لثلاثة أطفال: أعترف بخطأ كبير ارتكبناه مع ابني الأكبر الذي كان يميل إلى كتابة الشعر ففي بداية الأمر كنا ننظر إلى الموضوع بنوع من الاستخفاف ومن ثم أصبحنا نشعر بالإزعاج منه لأننا كنا نخشى أن هذا الموضوع يجعله يقصر بدراسته أو يؤثر على تحصيله إلى أن وصل به الأمر أنه لم يعد يكتب أي شيء لابل يشعر بالإحراج والخجل .
وكذلك أسامة اعترف بأنه كان يمنع ابنه من ممارسة الهواية التي يحبها وهي لعبة كرة القدم حيث قال كنت أشعر بالإزعاج عندما أرى ولعه الشديد فعند انتهائه مباشرة من الدوام المدرسي يجهز نفسه للذهاب إلى الملعب قبل أداء واجباته الدراسية.
أما غصون فقالت الظروف المعيشية القاسية هي من جعلتني أهمل مواهب أطفالي، فإن تطوير وتنمية مواهبهم يحتاج إلى تسجيلهم في نواد ويحتاج أيضاً إلى مستلزمات خاصة وكل هذا بات مكلفاً، فمثلاً أنا عندي ٣ أولاد ورسم التسجيل في ناد خاص لكل طفل وللمادة الواحدة ٤ آلاف ليرة على الأقل فأحتاج فقط إلى ١٢ ألف شهرياً كرسوم للنوادي هذا عدا عن المستلزمات، فمن يسجل في دورة موسيقا يحتاج إلى اقتناء الآلة التي يرغب بالتدرب عليها في البيت وأسعار الآلات تفوق قدرتنا وكذلك من يسجل في دورة رسم يحتاج إلى أدوات خاصة وجميعها ارتفعت أسعارها .
وأضافت أشعر بالغبن ولكن العين بصيرة واليد قصيرة علماً أنني وضعتهم في دورات في المركز الثقافي كون الرسوم مقبولة خلال أشهر الصيف ولكن هي فقط للتسلية ولا تنمي المواهب كما هو الحال في القطاع الخاص.
ظاهرة خطيرة
الأستاذ مهند قاسم قال: وجود الموهبة عند الطفل أمر طبيعي لكن الفارق في تطوير الموهبة وجعلها مكسباً للطفل وهذا دور منوط بالوالدين ثم ببقية المؤسسات التعليمية قبل أن تضيع الموهبة حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة الموهوبين المبدعين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو ٩٠ بالمئة وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى ١٠ بالمئة وما إن يصلوا إلى السنة الثامنة حتى تصير النسبة ٢ بالمئة فقط ما يشير إلى ظاهرة خطيرة وهي انخفاض معدل الموهوبين مع التقدم بالعمر أي إن الطفل يولد ومعه موهبته وتبقى معه وهو طفل ثم تأخذ بالتناقص كلما كبر.
ومن هنا لابد للأهل من اتباع السلوكيات الصحيحة والطرق المثلى للتعامل مع أطفالهم ومواهبهم بما يسهم في تطويرها منها توفير الرعاية الكاملة والاهتمام للموهبة، فإذا لم نهتم تنطفئ ويجب أيضا توفير جو من الهدوء والأمان والتشجيع والحرية في التعبير عن كل مايراه والأسلوب الذي يراه وزرع الثقة بنفسه ومناقشته وكذلك ضرورة التواصل مع المدرسة إدارة ومدرسين وتنبيههم على خصائص الطفل المبدع إضافة إلى تنظيم المواهب فقد يبدو في الطفل علامات تميزه عن الأطفال وكثير من المواهب والسمات وهنا يجدر بالأسرة التركيز على الأهم وما يميل إليه الطفل بشكل أكبر أيضاً من السلوكيات التي يجب أن يتبعها الأهل هو التأهيل العلمي فلا بد من دعم الموهبة بالمعرفة من خلال التحصيل العلمي المدرسي والجامعي والخضوع لدورات تخصصية أيضا يجب الاحتفاء بالطفل المبدع.
والأهم من ذلك عدم الاستخفاف أو الاستهزاء بالطفل وعدم الانشغال عن الطفل بمشاغل الحياة اليومية الوعي الكامل من قبل الأهل.
ويخطئ الكثير من الأهل باعتقادهم أن هوايات أبنائهم تضيع وقتهم وبعدهم عن مذاكراتهم دون أن يعلموا أن الاهتمام بها تساعد طفلهم على تنظيم وتخطيط وقتهم فلا بد من الاهتمام بهاو تنميتها وتوفير جو وبيئة مناسبة لاستثمارها بشكل مفيد وعدم منع الطفل من ممارستها.
أخيراً أكدت الدراسات المختلفة أن الشخصيات المتميزة في المجتمع هم أطفالٌ وجدوا من يرعى مواهبهم إضافة إلى التشجيع والتوجيه.
نسرين سليمان