دفعنا البحث عن الأمثال و قصصها ، للغوص في قضايا مجتمعية واضحة و معروفة ، لكنها لسبب أو أكثر اندثرت ، و باتت بعيدة حتى عن مفرداتنا اللفظية ، حتى صادفت مثل : صباح الخير يا جاري ، أنت بحالك و أنا بحالي ، الذي يمثل حالة نلمسها يومياً ، لكنها تتنافى تماماً مع موروثنا الثقافي و الفعلي ، كمجتمع متناغم و متماسك ، و يبدو أن الأسباب كثيرة ، لكن هذا لا يلغي مقدار التجافي الذي أصاب علاقة الجيرة ، التي من الواجب أن تكون العلاقة الأولى في المجتمع ، فكما يقول المثل : جارك القريب ، أهم من أخيك البعيد ، و أيضا : الجار قبل الدار ، حيث سمعنا بحالات كثيرة ، باع أحدهم بيته بسبب جاره السيئ ، نعم الجار قبل الدار ، و الجار الطيب ، مكسب اجتماعي لا يجب التفريط به ، لا بل دعمه و تغذيته ، و المضي به نحو حالات أجمل ، و أتذكر من حديث كبار السن ، أن الجار كان شريكاً حتى بأرغفة الخبز المصنوعة بالبيت قبل أهله ، سمعت منهم أن الجار الجيد يشرى و ليس البيت هو الهدف الأساسي ، و كذلك سمعت عن دور الجار في صون البيت و طلب المساعدة ، و السهرات ، و المعايدات ، فهو خط الدفاع الأول لكل ما يخص البيت و لكل من فيه ، بالتأكيد ما دفعني لزاويتي هذه ، هو الشقاق الملموس بين الجيران ، و البعد و الجفاء ، و بأحسن الأحوال ، الاكتفاء بالتحية الفاترة عند اللقاء مصادفة ، و بالطبع لذلك أكثر من سبب منها : أن كل أسرة تشعر بأنّها مؤسسة اجتماعية مستقلة ليست بحاجة إلى الآخر، وهذا جعل الناس يعتقدون أنهم لن يحتاجوا إلى جيرانهم، وبالتالي هم ليسوا بحاجة لمد جسور التواصل معهم ، بالإضافة إلى أن منظومة القيم الاجتماعية تأثرت بفعل الخوف من المجهول ، وأن الأزمات النفسية والاجتماعية والظروف المعيشية تلعب دوراً في إضعاف تلك العلاقات ، فالإنسان تسرقه همومه ومشاكله الشخصية مما يجعله منعزلاً ومنفرداً ، هذا مؤكد ، لكن الحل يكون بالتواصل و ليس بقطعه و التخلي عنه ، و معالجة كل الأسباب المؤدية للجفاء ، فالنت الذي يعد سبباً هاماً في ذلك ، بعدما ألغى أهمية و جمالية قرب المسافات ، و قرب البعيد ، لكن للحظات ، و ما إن انتهت المحادثة انتهى معها التعاطف الحميم الذي تحمله الكلمات المباشرة في اللقاء وجهاً لوجه ، و نعود للأمثال حيث نقول : العين مغرفة الكلام ، أي إن صدق التواصل و انفعالات الحديث تتجلى في المقابلة ، و ليس عبر خطوط الإنترنت ، التي كانت من أسباب ونهاية العلاقة بين الجيران ، التي نلاحظها أكثر في المدن الكبيرة ، حتى المبنى المؤلف من طوابق ، الذي فرض على السكان مدخل واحد ، و مصعد واحد ، أو درج واحد ، لكن تشاهد أن السكان حتى لو بعد سنوات طوال ، لا يعرفون بعضهم نهائياً ، و لا تربطهم حتى التحية ، في المقابل ما زالت المجتمعات الصغيرة ( تحاول ) الحفاظ على الترابطية في العلاقات ، و ترى لوحات فنية إنسانية حلوة ، ففي الأعياد تنتقل المجموعات من بيت إلى آخر للمعايدة ، و يتشاركون في الأتراح ، و يعيدون بعضهم بحالة المرض ، و في الأيام العادية ، تجمعهم السهرات و اللمات الحلوة ، لذلك نتمنى أن تبقى العلاقات جميلة متينة ، كما نتمنى الحفاظ عليها و حمايتها من الوهن و الأفول .
شريف اليازجي
المزيد...