لمـــاذا تحكمنــا العـــادات والتقــاليد؟ عـــادات أكــل الــزمــان عليهــا وشـــرب ..متـــى نتخلــى عنهــــا؟

يتكلم على الهاتف لعدة ساعات، يخرج من المنزل ساعة يشاء ويسهر ويعيش قصصا غرامية متعددة ويتعرف على الكثير من الفتيات ولا أحد يسأله لماذا؟ لأنه شاب ولديه فيزا اجتماعية غير قابلة للتشكيك، بينما إذا تكلمت أخته على الهاتف لعدة دقائق يتم فتح تحقيق، مع من تكلمت ؟وماذا قالت؟ ولماذا ضحكت؟ وليس من حقها أن تخرج من المنزل إلا وفق تعليمات تنفيذية دقيقة،لا يجوز أن تحب أو تعشق، فهناك من يحصي أنفاسها،لماذا لأنها فتاة …
قوانين وضعها الأموات
كيل بمكيالين، هي السمة السائدة في مجتمعاتنا الشرقية، التي حكمتها ومازالت تحكمها عادات وتقاليد اهترأت وصدأت، وضعها وكتبها الأموات للأحياء فصارت قانوناً ونظاماً يتبعه الأحياء بشكل أعمى ولا يستطيعون التمرد عليه، أو الخروج عنه.
وللأسف هذه التقاليد والأعراف لا تطبق إلا على النساء، ولا تحاكم أو تدين إلا المرأة أينما كانت، وحيثما وُضعت، في حين تغفر للرجل وتسامحه وتغض الطرف عن هفواته ونزواته وتصرفاته غير السوية، مهما بلغت من السخافة وقلة الأدب.
الباحثة الاجتماعية رندة عبيد قالت :
تبدأ المشكلات الاجتماعية من الأسرة نواة المجتمع والخلية الأولى التي ينطلق منها الفرد إلى المجتمع الأكبر، وعلى عاتق الوالدين تقع مسؤولية بناء شخصية الأطفال وفكرهم ووعيهم….
العادات والتقاليد والأعراف والثقافة المجتمعية التي أخذناها عن آبائنا وأجدادنا الذين اقتبسوها بدورهم عن أجدادهم وأجداد أجدادهم.. لم تكن خيارنا، خضعنا لها رغم إرادتنا سواء تناسبت معنا أم لم تتناسب دون أن يسألنا أحد إذا كانت ضمن قناعاتنا أو مبادئنا.
وبالرغم من وجود عادات أصيلة تحفظ كراماتنا وحقوقنا، إلا أنه يتوجب على كل واحد فينا أن يقمع أي عادة أو تقليد من شأنه أن يلحق الأذى بمشاعر الآخرين، فليبدأ كل شخص من نفسه أولاً ومن أولاده ثانياً من خلال أسلوبه في تربيتهم، ولنتجرد أمام أنفسنا من عقدنا، ولنلامس ذاتنا الداخلية، ولنقبل للآخرين ما نرتضيه لأنفسنا وأولادنا وبناتنا..
هناك الكثير من الموروثات والعادات ماتزال حاضرة بقوة في مجتمعنا رغم أنها لم تعد صالحة لتغيير ظروف الحياة بمختلف مجالاتها فلنتعرف على بعض هذه العادات:
المطلقة والأرملة
بسبب ظروف الحياة وقسوتها وانعدام التفاهم، وتنصل عدد كبير من شبابنا من التزاماتهم، واستهتار عدد لابأس به من فتياتنا، وعدم إدراك وتفهم تفاصيل الحياة الزوجية، ارتفعت في السنوات الأخيرة نسبة الطلاق وفشلت بعض العلاقات الزوجية..
وهنا تبدأ مأساة المرأة المطلقة مع عادات مجتمعها التي ترسخت وتقوقعت في عقل أبيها وأخيها ويبدؤون بمحاسبتها على تصرفاتها: أين ذهبت؟، متى خرجت؟، متى عادت؟ إذا سمحوا لها بالخروج أصلاً.
و إذا كان أهلها متفهمين فستوجه لها أصابع الاتهام من الخارج، فأصحاب النفوس الضعيفة باتوا كثيرين، وفي حال حققت هذه المطلقة أي نجاح في عملها أو في دراستها فسيعزى الأمر إلى تنازلات قدمتها هذه المرأة لفلان وفلان!
وبالرغم من أنها حاولت أن تتجاهل ظروفها وأن تشق طريقاً لها من جديد تجد التهم الباطلة في أغلب الأحيان تلاحقها أينما ذهبت كونها مطلقة في مجتمع بعض أفراده مجبولون بحجم تخلف غير طبيعي.
وفي حال قررت أن تكرر زواجها فستعد بضاعة مستعملة ما سيؤثر على قيمة نقدها، وشروط الزواج المختلفة وإذا تقدم شاب لخطبتها وفق الطريقة التقليدية ، فلابد أن يكون أباً لخمسة أو ستة أولاد، أو بلغ من العمر عتيا ،فما على هذه المطلقة إلا أن ترمي أولادها حسب رغبة الزوج الثاني غير المجبور على التكفل بأبناء غيره، لتكون هي مربية لأولاده وخادمة وربة منزل لا غير..
وإذا تعرفت على شاب في عملها أو جامعتها فستحارب من قبل أهله الذين لن يقبلوا بتزويج ابنهم العازب لامرأة مطلقة، وكأن العازب ميزة لم تكن تدركها، علماً أن هذا الشاب ربما خاض تجارب وعلاقات غير مشروعة بعدد شعر رأسه.
أما الأرملة فلا يختلف وضعها كثيراً عن وضع زميلتها المطلقة إلا أن مجتمعنا ينظر لها نظرة شفقة وحزن خاصة في حال وجود أولاد معها لأن الله هو من اختار لها هذا الوضع، في حين المطلقة امرأة متمردة ليس لديها قدرة على التحمل!.
وللأسف ينظر لهما بنظرة فيها نوع من التكبر لأنهما درجة اجتماعية ثانية أو ثالثة ويحاول الكثير من الذئاب البشرية استغلال هذه الناحية التي تعد نقطة ضعف حسب رأيهم وخصوصاً في ظروف الحياة القاسية التي نعيشها من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش وصعوبة تأمين احتياجات المنزل من غاز ومازوت وغيرها والتي يعجز الرجال عن تأمينها..
عازب وعانس
يطلق مصطلح عازب على الرجل مهما بلغ من العمر إذا لم يتزوح بينما يطلق لقب عانس على الفتاة التي تعدت عمر الزواج ولم تتزوج، وتلاحقها هذه الصفة مدى حياتها، فقد تكون هذه الفتاة ناجحة في عملها ومميزة في دراستها، وتبوأت مناصب مهمة، والأهم من هذا كله قد تكون هي من رفضت الزواج والارتباط من أصله إلا أنها تبقى عانساً مهما كانت الأعذار والأسباب والظروف، ومهما كانت ميزاتها وصفاتها الأخرى..
شاب مابينعاب
القانون يعاقب الرجل والمرأة في حال الخيانة الزوجية او إقامة علاقة غير شرعية وحكم الزاني كحكم الزانية في كافة الشرائع والأديان السماوية، فينال كلاهما العقاب نفسه، لكن حكم العادات والتقاليد الاجتماعية أقسى، وعقابها أكثر إيلاماً، ولكن لا تناله إلا المرأة، فينسى المجتمع أن الرجل شريك أساسي في العملية غير المشروعة، إلا أن الحجج جاهزة دائماً… أولها أنه شاب ولا يعاب ،ومن حقه أن يغرب ويشرق حتى يصاب بالتخمة من التجارب النسائية، ليتزوج بعدها ويستقر.
أما الفتاة فيكفي المحيطين بها أن يروها في مكان عام مع رجل غريب، ليصبح عشيقها.. والمخفي أعظم، فتكثر الأقاويل حولها، خاصة بوجود الألسنة الطويلة، والذمم الواسعة، والضمائر المستترة أو الميتة
الأول في حياتها
الحب حق مشروع للجميع ودونه لاطعم للحياة ولا لون،لكن في بعض الأماكن الحب والعشق ممنوع على الفتاة، وقد تدخل الفتاة بعلاقة حب عذري لا يكتب لها الاستمرار، وبحكم أن الحياة مستمرة ولا تتوقف عند شخص مهما كان، فتدخل بعلاقة أخرى فتفشل بها،وتعد فتاة مقطعة وموصلة وغير صالحة للزواج ليصنفها المجتمع ضمن القائمة السوداء ،أمام حبيب قلب أمه الشاب يخرج ويدخل كما يحلو له، ويرافق الكثيرات، وقد يدخل في علاقات مشبوهة، وعندما يريد الزواج، تُفتح أمامه أبواب بيوت العائلات ليختار الفتاة التي تعجبه. فزوجته قد لاتكون الأخيرة في سلسلة عشقه ولكن يجب أن يكون هو الأول والأخير في حياتها.
في بعض الأماكن لاتزال حاضرة وبقوة عملية الزواج التقليدي حيث تبحث والدة العريس عن عروس مناسبة لابنها وتسأل: من لديه فتاة في سن الزواج وما إلى ذلك من تفاصيل ورغم منطقية التعارف إلا أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع تستنكر هذه الطريقة وتعتبرها خروجاً عن المألوف وكسراً للتقاليد رغم شيوعها في السنوات الأخيرة بشكل كبير
خلاصة القول:
تلعب العادات الاجتماعيّة الأصيلة دوراً أساسياً في بناء المجتمع وتقدّمهِ، وفي إقامة علاقات إيجابيّة وبناءة بين كل أفراده، لهذا فإنّ سيطرة العادت والتقاليد السيئة في المجتمع يُساهم في تراجعهِ وتراجع مستوى العلاقات الجيّدة بين أفرادهِ، وأعتقد أنه من الضرورة بمكان التخلي عن هذه العادات البالية والتي لم تعد صالحة في زمن الانفتاح والتكنولوجيا ، ولكن هذا الأمر ليس بسيطاً لأن هذه العادات أصبحت أقوى من القوانين بحكم العادة والتكرار ،والخروج عنها يعد شذوذاً عن القاعدة التي تحكم البعض
فيصل المحمد

المزيد...
آخر الأخبار