كلما مر الزّمن زادت الذكريات في المخيلة هذا و إن الذاكرة تدفعني لاستحضار المزيد من المشاهد التي عشتها و التي كنت أحد مكوناتها و هي التي تبقينا على عتبة الحلم .
و الآن سأتابع ما بدأته في الأجزاء الثلاثة السابقة عن ألعابنا التي كنا نلعبها و نحن صغار منذ أكثر من ستين عاماً .
13- لعبة أم البياش : وهي غالباً ما تكون خارج منطقة العمران حيث كنا نلعبها في البرية مكان كراج البولمانات حاليا . كنا نقوم بغرس وتدٍ في الأرض ونربط به حبلا بطول مترين تقريبا و الذي يقع عليه الدور بالقرعة عليه أن يمسك طرف الحبل و يدور حول الوتد بسرعة و الأولاد بأيديهم النطاقات ( الزنانير ) يضربون بها ظهره و هم يقولون أم البياش دارت ، هادي الناعورة دارت ، و اللفة طارت دارت ، و الحلّة فارت دارت ، و الحبلة طارت دارت، أم البياش دارت …. و يحاول هو أثناء ذلك أن يمسك بأحد اللاعبين الضاربين بالنطاقات و يكفي أن يمسك اللاعب أو يمسك نطاقه دون أن يفلت من الحبل ليصبح الدور على الممسوك و يقولون ( صارت أمّه ) أي وقع الدور عليه في الإمساك بالحبل ، و ينضم صاحب الحبل السابق إلى جماعة الضاربين بالنطاقات و لهذه اللعبة شكل آخر ، وهو أن يخلع الأولاد زنانيرهم و يكومونها فوق الوتد المغروس في الأرض,و يحاول الأولاد أن يسرقوا هذه الأحزمة بينما ماسك الحبل عليه أن يحميها . لذلك فهو يدور حول الوتد، وهو يرفس برجليه و يضرب بيديه في كل اتجاه لئلا يقتربوا من الوتد و إذا استطاع أحد الأولاد أن يسرق حزاما أو أكثر فإنهم يباشرون بضرب ظهر ماسك الحبل المسروق و يحاول هو أن يمسك بأحدهم ويقولون أثناء ذلك : أم البياش دارت هادي الناعورة دارت و اللفة طارت دارت و أم البياش دارت . أما إذا استطاع ماسك الحبل أن يمسك بأحد الأولاد يصبح الدور عليه و يقولون عنه (صارت أمه) و هكذا ….
14- لعبة النقافة : في السوق يقولون عنها نأافة وفي الحاضر يقولون عنها نئيفة وهي عبارة عن شعب بشكل حرف Y وهذا الشعب إما أن يكون من الخشب تم اقتطاعه من الأشجار، أو يتم تصنيعه لدى أحد النجارين أو يكون من سيخ حديدي ملفوف على بعضه، في كل طرف من طرفي الشعب يتم ربط شريط بلاستيكي مطاطي بطول حوالى عشرين سنتميتراً و عرض سنتميتر واحد وغالباً ما يؤخذ من إطارات الدراجات الداخلية المستعملة . أما في الطرف الآخر فإنه يتم ربط كل شريط بقطعة جلدية مَعينة الشكل تقريباً يكون قطرها بحدود ثمانية سنتميترات و للعب بهذه النقافة يقوم اللاعب بمسك النقافة من القسم المستقيم بيد و باليد الأخرى يقوم بوضع حجر صغيرة أو كرة طين صغيرة تم تجفيفها مسبقاً خصيصاً لهذه الغاية ثم نقوم بوضع تنكة ماء قديمة للتسديد عليها و إصابتها ثم يقوم اللاعب بشد القطعة الجلدية و يتركها لينطلق الحجر نحو التنكة ،فقد يصيبها وقد لا يصيبها و عند إصابة التنكة يخرج منها صوت اصطدام الحجر بالتنكة وهذا الصوت يكون ضعيفاً أو قوياً حسب قوة ارتطام الحجر بالتنكة و الفائز هو الذي يصيب التنكة بمرات أكثر الجميع إلا أننا كنا نستعمل النقافة أيضا لصيد العصافير . حيث كنا نتوجه إلى أماكن تواجد الأشجار التي تحط عليها العصافير لنقوم باصطيادها و على الأخص في الليل ، ذلك أنه أثناء النهار و عندما نقوم باصطياد العصافير فإن العصافير الواقفة على الشجرة تهرب مباشرة من أول حجر يرمى عليها سواء أصاب الحجر هدفه أم لم يصبه . أما في الليل فإن حركة العصافير و طيرانها كان شبه معدوم لذا كنا نأخذ بيلاً حيث يقوم أحد الأولاد بتسليط الضوء على الشجرة لتحديد مكان العصفور بينما يقوم الآخر بتسديد النقافة و إطلاق الحجر على العصفور طبعاً في الوقت الحاضر تم الاستعاضة عن النقافة لصيد العصافير بواسطة بارودة الخردق.
كانت النقافة مبعثاً للأذى في بعض الحالات عندما كان الحجر المنطلق منها ليصيب بالخطأ أحد ما. و كم من شخص أصيب لا سيما بعضهم أصيب في عينه و ذهب بصرها لذا كانت هذه النقافة مؤذية في بعض الحالات خصوصاً إذا كانت إصابة الشخص الآخر مقصودة سواء أكان طفلاً أم رجلاً أم امرأة . و كانت الشرطة تصادر النقافة من كل شخص يحملها إضافة إلى صفعات يأكلها حامل النقافة من الشرطة.
15- وضع الفتاش و المسامير و الفرنكات على سكة القطار: إن محطة القطار القديمة في حماة كانت مكان المقصف العمالي الحالي و إن تسمية تلك المنطقة بالمحطة ، عائد إلى كون وجود محطة القطار فيها آنذاك قبل أن تنتقل إلى مكانها الحالي منذ حوالى ربع قرن . كان القطار يخرج من المحطة القديمة عابراً من شرقي دار العجزة متجها غربا فجنوبا نحو حمص . منذ أكثر من خمسة و ستين عاماً لم يكن العمران موجودا في منطقة غرب السكة نهائياً حيث كنا نخرج للعب هناك و كنا ننتظر مجيء القطار حيث كنا نضع على سكة القطار الفتاش و المسامير و الفرنكات فعندما يأتي القطار و يمر فوقها يبدأ الفتاش بالطقطقة تباعا بصوت متناغم أما المسامير فإنها تصبح رقيقة حيث كنا نأخذها لنأكل بواسطتها الراحة المهروسة مع الكزبرة الملونة و نسميها (ملْوأْ) و الفرنكات تصبح رقيقة و قطرها أكبر . وهنا لا بد لي من ذكر هذه الواقعة كان في السابق يوجد عربة تسير على خط القطار مخصصة للركاب تدعى أوتومتريس وهي تشبه الى حد كبير الباصات الصينية الحالية التي نراها في شوارع حماة إلا أنها أطول بقليل ويتم قيادتها من الجهتين الأمامية و الخلفية . في إحدى المرات ومنذ حوالى خمسة وستين عاماً كنا نلعب قرب ما يسمى الآن غرب السكة كما ذكرت آنفاً و قد اقترب وقت مجيء الأوتومتريس فإذا بأحد رفاقنا يقول لنا (بتشارطوا إني بوقفلكن الأتومتريس ) و صرنا نتجادل معه . وبالأخير قبلنا الشرط مقابل أن نعطيه ربع ليرة إذا فعلاً قام بتوقيف الأتومتريس و فعلاً و بعد أن اقترب خروج الأتومتريس من المحطة استلقى رفيقنا على الأرض ووضع رأسه على سكة القطار وعندما رآه السائق صار يطلق العنان للزمور إلا أن رفيقنا لم يكترث مما تسبب بوقوف الأتومتريس عندما وصل إلى قربنا وعندما نزل السائق من الأوتومتريس هربنا جميعا و بالطبع فإننا لم نعط لرفيقنا الربع ليرة . والطريف في الأمر هو أن صديقنا مازال على قيد الحياة حيث نستذكر تلك الواقعة أحياناً .
وللتنويه فإن كلمة أوتومتريس جاءت من الكلمة الفرنسية (AUTO MAITRESSE) أي العربة الملكة و كان الأتومتريس في حينها يخرج من حلب الساعة السابعة صباحاً و يصل حماة بحدود الساعة العاشرة ثم يتابع طريقه إلى بيروت ليصلها حوالى الساعة الرابعة و النصف و في طريقه يقوم الركاب بالصعود و النزول في المحطات التي يمر عليها كل حسب مقصده أذكر منها حمص وتلكلخ وطرابلس وجبيل
و إلى اللقاء في ذاكرة جديدة
المحامي معتز البرازي