تستمر حكاية التسول في حماة ،لتستمر معها أقلامنا راصدة لها، فقد بلغت من الحد ما يستغاث لأجله ،و قد كتبنا في أعداد سابقة عن هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا وعن المتسولين الذين جعلوا منها مهنة للغنى.
ونحن اليوم بإصرار أكبر على مناقشتها في حماة، فلم يكتف المتسول باستعطاف الناس والتلاعب بمشاعرهم للحصول على المال، بل تعدى الأمر إلى أخذه للتسول صنعة معترفاً بها في محيطهم ، وقد لجأ البعض منهم إلى تبني عدداً من أطفال دور الإيواء في حماة لتعليمهم التسول ،وطبعاً الغلة للمتسول الكبير الذي استثمرهم فهم حقاً باتوا للأسف سلعة لديه ،إن ذلك لتطور خطير أن تستغل زهور المجتمع ،فهم خامات نقية يتم العبث بجوهرها ، فالمتسول يقوم باستغلال الوضع المادي السيء للأهل من أجل إرسال أولادهم إليه مقابل مبلغ مادي ،مستغلاً بذلك هؤلاء الصغار لينشرهم في الأسواق المكتظة ومحلات بيع الطعام، والمتسول هنا بدراية كاملة لما يفعل فكل إنسان ومهما كان طبعه سيتعاطف مع هذا الطفل الممزقة ثيابه والمتسخ وجهه.
أين المعنيون بهذه الأمور؟ وأين جمعيات رعاية الطفولة والجمعيات الأهلية؟ ألا ترى أن الأطفال المتسولين قد ملؤوا الأسواق متسربين من مدارسهم ؟! أين حقوق الطفل ؟
ولم يقتصر الأمر على قيام المتسول صاحب الخبرة بتشغيل الأطفال الصغار، وتدريبهم بل هو يقوم بتعليمهم عادات وطباع تشوه داخلهم النقي ، مثل الكذب والتمثيل على الناس.
ولم يقف التسول عند هذا في حماة ،بل شاع شيء جديد وهو يضاف إلى استقطاب الأطفال ألا وهو بيع المكان، فكما نرى هناك أمكنة معينة امتلكها متسولون بعينهم وهي لمواقع استراتيجية في حماة يستخدمها المتسولون، وربما يكون المقصود من ذلك إرباك وتضييع الجهات التي تراقبهم من جهة ،و لمكاسب مالية قد يحصل عليها المتسول عندما يسمح لغيره بإشغاله من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى أن بعض المتسولين المتجولين قد اقتنوا أمكنة مرموقة انطلقوا منها للعمل كمتسول ثابت ، ونذكر منهم ساحة العاصي التي اتخذها بعض المتسولين المتجولين مكاناً لانطلاق عملهم بدلاً من متسول آخر احتل المكان لسنوات في مكان مواز لمبنى المحافظة ,والسؤال ما معنى ذلك كله؟ ما معنى أن يكون لكل سوق تجارية يحتكرها شخص من المتسولين ولا يسمح لأحد أن يطأها إلا بمباركته كحال سوق الطويل مثلاً أو شارع ابن رشد أو. . . . .الخ.
فأين الجهات المعنية؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها، فلماذا لا يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة مع من نراهم طوال النهار قد كسروا يدهم أو قلعوا عينهم وشلوا أرجلهم لنجدهم آخر الليل يعدون الغلة وقد ارتادوا أرقى الأماكن.
ألا يشجع ذلك كله على تفشي التسول! أليس ذلك بالعمل الهدام لمجتمعنا وبنيته! فهؤلاء المتسولون أغلبهم ليس محتاجاً مادياً بل يستغل هذه المهنة لزيادة ثرائه مستغلاً الثغرات القانونية، والتي لاتسمح باحتجازه لأكثر من ثلاثة أيام.، وقد توجهنا إلى مدير الشؤون الاجتماعية في حماة كامل رمضان لنستوضح عن الإجراءات التي تقوم بها الشؤون الاجتماعية اتجاه المتسولين ،فهي تعمل بشكل دؤوب على هذه القضية، حيث أخبرنا مدير الشؤون بأن الشؤون تقوم بجولات ميدانية بالتنسيق مع قسم الشرطة المختص على الأسواق التجارية والشوارع المزدحمة وضبط الحالات المخالفة وتسليمها إلى قسم الشرطة المختص وتنظيم الضبط اللازم لإحالة الموقوفين للقضاء.
أما عن طريقة مساعدة المتسولين الفقراء، فقد أعلمنا بأن ذلك يتم عن طريق الجمعيات الأهلية ،أما الحالات التي تثبت قيامها بالتسول على أساس المهنة وطبعاً يثبت ذلك بعد القيام بالدراسة الاجتماعية ،فيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم وتحويلهم إلى القضاء من أجل تشديد العقوبة بسبب قيامهم بهذا العمل المخالف للقانون.
وأما عما تقوم به الشؤون الاجتماعية اتجاه المتسول الطفل فقد أكد أن المتسول الطفل مسؤولية المجتمع ككل، ويتم أخذه ووضعه بجمعية حماية الأحداث وتسليمه لذويه بعد أخذ التعهد من قبلهم بعدم تكرار العمل وإعادته إلى المدرسة.
هذا وقد أكدت الشؤون أنه وفي الربع الأخير من العام الفائت تم تنظيم ١٧ ضبطاً عند الشرطة المختصة وهناك ٨٩ حدثاً تم ضبطهم وتوقيفهم في جمعية رعاية الأحداث، وبعدها تم إخلاء سبيلهم وذلك بموجب تعهد الأهل.
كما تم ضبط ١٧ متسولاً راشداً بالغاً ،وإحالتهم إلى القضاء ونحن هنا ومن منبر الفداء نعود لنؤكد على أن يداً واحدة لن تستطيع فعل شيء فالمسؤولية تقع على عاتق المجتمع الأهلي المحلي أيضاً، وذلك بالتعاون مع الجهات المسؤولة والمعنية بهذه القضية ،لأنها تسيء إلى المجتمع وتعمل على هدم بنيانه داخلياً، فعلى الجميع أن يدرك مسؤوليته اتجاه الحد من ظاهرة التسول ومن خطر وجود المتسولين في المجتمع، ومن عدم الانقياد لعواطفنا ،بل علينا أن نضع حداً لتفاقم هذه الظاهرة فمادام هذا المتسول بات معروفاً للجميع بشكله ومكانه وتحركاته ،فلماذا لا تتخذ الجهات المعنية الإجراءات الرادعة وبصرامة تجعله يترك التسول. ألا يشكل هؤلاء خطراً حقيقياً على مجتمعنا وتكوينه؟ أم أن وجودهم بات واقعاً علينا القبول به والاستسلام له والتعايش معه.
كلماتنا برسم المسؤولين ونأمل منهم التعامل مع هذه الظاهرة بجدية أكبر لأن سلامة المجتمع من سلامة الفرد.
شذى الوليد الصباغ