بعض التنظيرات في فلسفة الفن تفصل بين الفن والأخلاق وبين الفن والخير والشر، وبين الفن والقبح والجمال، والفصل هنا كما الفصل بين الأداة وطرق استعمالها، وبذلك تصح مقولة، الفأس أداة خيرة ويمكن أن تكون أداة شريرة!
فكرت في هذه التنظيرات، لكني لم أقتنع كثيراً فثمة ما يعارضها منطقياً وتحليلياً، ففي الفن لا تنفصل الأدوات غالباً عن استخدامها أو تشكيلها، فالألوان هنا ليست هي الفأس، فلا يمكن أن تكون الألوان أو الخطوط شريرة بمفردها، فاللون والفرش هم وسائط لنقل الأدوات المبصورة إلى اللوحة، الأدوات المبصورة هي الخطوات اللاحقة الواعية وغير الواعية التي تصبح على اللوحة، فهي قبل أن تكون لاحقة هي جزء من الوعي واللاوعي الشخصي الذاتي والجمعي للفنان القصدي أو غير ذلك، لكن في النهاية يتشكل كل هذا على قماشة اللوحة، إذا كنا نقصد اللوحة المحمولة، وعندها تصبح الأداة والفعل!
في اللوحة تكون ذاتك أو بحثك عن هذه الذات وفي كل الأحوال تقدم ما يمكن توصيفه، ويكون لهذا الوصف أثره فلا يمكن للوحة أن تكون بلا أثر! أثر من الرضا أو غير ذلك! قد يكون غير مفهوم وهذا أيضاً جزء من الأثر، قد يكون غريباً أو تغريبياً وهذا أيضاً جزء من الأثر، قد تكون عطاء أو أخذاً وهذا أيضاً أثر، قد تكون دفاعية أو هجومية وهذا أيضاً جزء من آثار اللوحة، ومن يعتقد أن المتلقي الحاضر هو من يتلقى الأثر بمفرده يكون مخطئاً، إذا سيصله وإن كان في زمان آخر ومكان آخر، ألم يصلنا على سبيل المثال تأثيرات الباوهاوس وغيرها، وأصبحت في حياتنا اليومية من أدوات وديكورات! في وقت من الأوقات، ألا يتأثر أطفالنا بفناني الرسوم المتحركة فنراها على حقائبهم، ألا تتأثر بعض الألبسة النسائية بإشارات محددة! إذاً فالفن لا يعترف بحدود أو بزمان وليس بالضرورة أن تكون حاضراً كمتلقٍّ في ذات المكان، فكيف إذا كنت؟! وليس بالضرورة أن يكون فناً، فتحت هذه التسمية يحدث الكثير!
بعض الأشياء الصغيرة قد لا تبدو قوية كفاية لنعيرها الاهتمام، لكنها في غاية الأهمية مع تكرارها وهو ما يفعله اليهود في الكثير مما يقع عليه البصر من ميديا وأشياء أخرى تحمل هذه الرموز والإشارات.
قال أرسطو: (إن الفن يؤثر على أخلاق الإنسان ومن ثم على النظام الاجتماعي).
هذا يمكن أن نلمسه بقوة في حياتنا اليومية، وقد يتجلى بوضوح أكبر من خلال الأغاني المصورة والدراما، وبدرجة أقل في التشكيل من حيث التأثير الآني، لكن الأهم هنا هو قدرته على التأثير، وإذا علمنا أن علم النفس الإدراكي والفيزيولوجي يتفقان على أن حاسة البصر تستحوذ على أربعة وسبعين بالمئة بالمقارنة مع الحواس الأربعة الباقية لعرفنا أهمية الصورة، وهو ما يمكن تسميته بالقوة المبصورة، القوة هذه هي تلك المرئيات التي تنسل عبر الفن، أو تتجسد عبره، فإذا كان الفن يؤثر على أخلاق الإنسان والمجتمع ونحن نفترض القيمة الإيجابية هنا فكيف يكون الأمر لو كانت القيمة سلبية وقصدية في إيصال المحتوى السلبي وتتجسد بالفنان؟! فالفنان هو وليد القيمة التي تصله عبر المجتمع والفن فيتأثر بها ثم يعيد تصديرها.
يشير إلى هذا كروتشه ويقول: (إن الجمال والقبح ليسا صفتين للعمل الفني ولكنهما من صفات الروح التي عبرت عن نفسها بالحدس في تلك الأعمال الفنية) ولنلاحظ أنه يمكن أن تبقى الأعمال محافظة على قيمتها الفنية لأن الفن يحمل صفة الروح، ذلك يحدث بشكل واع أو غير واع، لكن الأهم أن تصل هذه الصفة.
تصل إلى الآخر، بنوعها وشحنتها، وتتراكم، ولا تنطفئ، فلماذا ليس لدينا من يعزز تلك الشحنات والصفات الإيجابية، بدل أن تتعزز بفن آخر، يحمل أخلاقاً أخرى؟!
عمار حسن