حارتي مرتع ألعابنا منذ أكثر من ستين عاماً «الجزء السابع»

رغم أنني ابن حماة وعلى معرفة تامة بأزقتها و حاراتها منذ أكثر من سبعين عاماً إلا أن الذكريات هي التي تتماوج فيها سيما ذكريات الطفولة و الألعاب التي كنا نلعبها و نحن أولاد في صغرنا في حيّنا وهو (حارة البرازية) لذا رأيت من واجبي ووفاءً لهذا الحي و وفاءً لرفاق الطفولة سيما و أن معظمهم قد طواهم الثرى أن أتناول وصف هذا الحي بمنظار الطفولة .
حيُّنا هو حي المشارقة و قد سمي بهذا الاسم لأن ساكنيه الأوائل قدموا من شمال شرق سورية و معظمهم من آل البرازي. لذا أطلق على هذا الحي اسم (حارة البرازية) كما هو معروف بهذا الاسم. وكما هو الحال في تسمية بعض الحارات في حماة بأسماء بعض العائلات الأوائل التي أقاموا فيها مثل الطوافرة والكيلانية والحوارنة والسخانة وغيرها. لذا سأنقل للقارئ الكريم وصفاً لحارتي مرتع طفولتي و ميدان ألعابي مع أقربائي وجيراني ورفاقي، هذا الوصف للحارة القديمة قبل أن يدخلها التنظيم بحيث لم يبق منها سوى قسم ضئيل تعيش فيها ذكريات طفولتنا لكن قبل أن أتناول ما أرمي إليه لابد من ذكر الحادثة الطريفة التالية ، ذلك أنني و بعد زواجي و بعد دخول التنظيم إلى حارة البرازية فقد انتقلت للسكن في حي الشريعة. صدف ذات يوم و منذ حوالى خمسة عشر عاماً أن خرجت من باب البناية التي تقع فيها شقتي وعندما هممت بركوب السيارة وإذا بطفلٍ ممسك بيد أمه يقوم بضرب زجاجة عصير فارغة برجله كانت في الأرض ضربةً قويةً فأنا بردة فعل صرخت عليه خوفا من أن تنكسر الزجاجة مما يتسبب بأذى للبشر والسيارات وصحت فيه قائلاً: (العمى على هالجيل شو مؤذي) فإذا بالمرأة تلتفت نحوي قائلةً: (ليش بحارة البرازية في حدا كان مؤذي وأنت موجود، أنت ما بتعرفني بس أنا بعرفك ) و هنا لم أنبس ببنت شفة بل وضعت المفتاح بباب السيارة ومشيت. لقد قالت هذه المرأة شيئاً صحيحاً ففي صغري كنت شقياً ومؤذياً والآن إلى ذكرياتي المحفورة في ذهني عن حارة البرازية وقد سطرتها باللهجة المحكية.
كل الدروب بتودي عحارة البرازية
من باب طرابلس غرباً أو من حارة الجسر من الجهة الشمالية
أو من المرابط : أو باب البلد … من الناحية الشرقية
ودورها حلوة يا سلام … كل دار فيها بوابة و قبو و درج و قصر و عليّة
والباب خشب و عليه سقاطة و له برطاش و جنبه جلاسة حجرية
وأرض الدار فيها بحرة و شجرة ليمون ودالية و ياسمينة وفلة وعراتلية
وكل غرفة إلها عتبة و شباك و طاقة و فيها سمندرة وخرستان وكتبية
وقطارميز المكدوس والمعقود والجبنة و الشنكليش بأوضة المونة التحتانية
ومعاهن عنبر السمنة العربية أما البرغل والطحين والعدس فـبالخوابي الفخارية
ويا ما دور على بابها سبيل مي ليشرب منه الرايح و الجاية
و دور فيها طاحونة برغل حجر لعمل الكبة النية و المقلية و المشوية
وفيها كمان طاحونة البن يللي حكى عنها نزار قباني بقصيدته الشامية
كان ملعب الأولاد تحت القصر هربانين من حر الشمس و مطر الشتوية
أول الحارة دار أبو الصاحب و كراج فرج و الشماع بياع القهوة و مدرسة الياقوتية
وبعدها مدرسة التطبيقات و دراجها و أبوابها و حيطانها الحلوة ومدرسة العباسية
وبنص الحارة كولبة الحارس أبو قاسم و جامع الأربعين و مئذنته الأثرية
و الإمام الشيخ محمد الصواف والمؤذن الشيخ سعيد الطبشي والشيخ خالد العتال وبوكارته الخشبية
وكْبارية الحارة كلهن هيبة و لابسين طقم أو قنباز أو شروال و كلابية
وحاطين على راسهن قضاضة و بريم أو طربوش أو طاقية
والصبايا لابسين بانطو و إيشارب أما الملاية و المنديل فكانوا للنسوان الختايرية
وكان بالحارة كتير شفورية سيارات و باصات هوب هوب و معاونين و كومجية
و شبابها قبضايات و كدعان و نسور حايمة بالبرية
و أطيب نمورة بعرباية أبو حامد و الحلاوة و الصمون من عند حمودة و دكانته التاريخية
و فرن أبو سليمان و سحاحير بيت الكبب و تنور أبو نزار و الطبل و حمصاته الشهية
وبيت الأفيوني يللي كانت سوساتهن الخمير بترد الروح بعز الشوب أيام الصيفية
ومدرسة الرشيد و الخانات و القبوات و القناقات و المنازيل للسهرات الليلية
و القناقات هي قناقات – نجيب آغا و أصلان آغا و أحمد آغا و علي آغا النعسان و محمود آغا الأحمد و خالد آغا الدرويش وهؤلاء جميعهم برازية
أما المنازيل فهي لآل أسعد البكري و الشيشكلي و الحلبية
أهل الحارة مافي حدا غريب … عمك ، خالك، جارك، الجميع أهلية محلية
و تعداد أسماء العائلات حوالى المية
بيت البرازي و التركاوي و السبعاوي و الكردي و مصري والنعيم و صباغ و كوجان و النيربية
ومارديني و قصباشي و طبشي و دندشلي و أبو سعد و أصفر و غنامة و عزو و شيخوني و شاكر وعبيسي و الحلبية
و بيت الآذن و طقّم و الدقّاق و أسعد البكري و الغنامة و الشيشكلي و قياسة و زبدي و قهوجي و طرن و حسنا و الجمية
وبيت الرحمون و طنجير و حامد و كيلاني و جمّال و اسطواني و عاجوقة و لاذقاني و حمشو بالنزلة التحتانية
و بيت جمران و كاخيا و عسل و سقا و السعيد و جاعورة و محلي و سمان و رشواني و لطفي وفرزات و حكواتي السعدية
و بيت قشبشلي و سويد و جلعوط و طُبل و العطار ( أبو عيشة ) و حمامة و تركماني و البزر بالدخلة الوسطانية
و بيت الرومي و مراد ونابلسي و عنتر و ريحان و غزال جنب فيجة البلدية
وبيت المللي و الصغير و هربش و حداد و قبلغلي و السراقبي على طرف البرية
وبيت الجاسم و بوظان و الحايك و خلف و حبش و مسلم و الغجية
و بعدين أبو ساطور و الناصر و مقام أبو الليث و زاوية السلسلة و الزاوية السفاحية
هي حارتنا يا ما لعبنا بزقاقاتها بالكلال و الدوش و الطاق طاق طاقية
و لا تواخذوني إذا نسيت فذاكرتي ماعادت قوية
و إلى ذاكرة قادمة
المحامي معتز البرازي

 

المزيد...
آخر الأخبار