زقــاق الــدم شــارع شـاهد علــى التاريــخ

ماذا لو كنت تتحسّب من الوقوع بمكروه فوجدت نفسك فجأة قد وقعت فيه ولا حول لك ولا قوة , أو كنت تحاذر أمراً فأتيته على غفلة منك ..هنا ماذا أنت صانع ؟ ولم توّطن نفسك كيف ستتصرف وتنجو من هذه الورطه وأنت في خضًّم المعاناة منها …وهذا ما حصل معي ولحسن حظي لم أكن وحيداً بمواجهة المكروه بل كنت برفقة صديقي الأديب المحامي «معتز برازي أبا مصباح «.. فبعد زيارتنا لمسجد وقبر أبي الفداء وكنا برفقة رئيس وبعض من أعضاء اتحاد الكتاب العرب والزميل د. راتب سكر وقد هممنا بعدها للتوجه لزيارة الجامع الكبير وتوجه الركب نحو الجامع الكبير …لكن صديقنا المحامي أبا مصباح ودون مشورة مني وعلى غير دراية عن الطريق أراد أن يختصر المسافة بين المسجدين ابي الفداء والجامع الكبير وتوجه بسيارته على غير الطريق المعهود وسلك طريقاً آخر كان يمتد بين البساتين , وكنت أحسب أننا عندما نزلنا الطريق شمالي مسجد أبي الفداء أنه يفتش عن فرجة لضيق الطريق ليعيد توجه السيارة ليلحق بالركب الزائر..
لكن صاحبنا أبا مصباح استمر بوجهته في الطريق الضيق قاطعاً بذلك بعض دور سكن كانت متناثرة في أزقة متعرجة ثم ضاق الطريق , وأنا أصرخ بعد أن استوحشت زيادة ضيق الطريق حتى بالكاد يسمح بمرور مقدمة السيارة وأنا ألاحظ وأحسب أنه يستحيل فتح باب السيارة للنزول منها بل حتى مرايا السيارة الجانبية قد طويت مخافة اصطدامها بالجدران وكم استرهبت الطريق والسير فيه حين عادت بي الذاكرة أن هذا الطريق في ذاكرة حماة قد رسخ وكان اسمه «زقاق الدم «.وهنا كنت أتلفت وكأني أشخص على جدران البساتين جانبي الطريق دماء جنود المحتل الفرنسي عندما باغتهم الثوار مازالت متوضعة على جدران الزقاق وارتسم الحرج والإرباك على وجه أبي مصباح وهو يقود السيارة وربما كان يحسب مثلي أنه لو اعترضنا حجر في الطريق أو قل ثقبت عجلة من عجلات السيارة أو أفرض توقفت السيارة لعطل طارئ ماذا نحن فاعلون ؟
ورانت لحظات صمت رهيب تكاد تسمع فيها خفقات قلوبنا المضطربة وعندما أراد أبو مصباح اجتياز الجسر كان هناك شخص واقف أول الجسر فصاح بنا ماذا دهاكم حتى جئتم من هذا الطريق. ولما كانت توجد حفرة على يسار الطريق فإن أبا مصباح أخذ يمين الطريق وبدون شعور أخرجت وجهي من النافذة وصحت به قائلاً: لم يبق سوى عشرة سنتيمترات ونسقط في النهر. إلا أنه تجاوزها بسلام. وفجأة جاء الفرج ولاحت ناعورة المحمدية على علوها من بعيد ثم ظهر الجسر الحجري البازلتي وجانب من جدار الطاحون ووصلنا الجسر الذي كان بالكاد يمرر السيارة لضيقه وهو غير محصن على جانبيه بحاجز يحمي من السقوط بالنهر ووصلنا بر الأمان وهدأت القلوب وعاد الدم يجري للعروق التي كادت أن تجف من الفزع , وتمتمت الشفاه بالحمد والشكر بالسلامة ..
ولا أخفيكم أني التفت مؤنباً لصديقي على حشرنا بهذه الورطة وكنت أنفعل وأنا أحتج وأخاطبه ياابن الحلال ماذا دهاك لتمر من هنا والطريق كما رأيته ؟ فرد ببرود وهدوء أعصاب وهو يضحك أنا أعرف الطريق ومررت به وأنا أركب «موتور لامبريتا» لكن هذا حصل منذ خمسين سنة , وأما اليوم ففعلاً اضطربت وأنا أركب السيارة وأمر في هذا الطريق ظناً مني نسبق الضيوف لنستقبلهم على باب الجامع!.. ولولا أن شاركنا زملاءنا في زيارة جامع الكبير وآثاره العظيمة وهم القامات الأدبية في الوطن والتقطنا الصور التذكارية بكل فرح وسرور وأصبحت الصور ذكرى سعيدة للجميع منقوشة على خرائط الذاكرة وصفحات الوجدان إلا معي أنا وأبا مصباح فسيشوب الصورة الكدر عند تذكر المرور بـ «زقاق الدم «
محمد مخلص حمشو

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار