في كل عام وفي مثل هذه الأيام بشهر آذار تحديداً, نحتفل بعيد المعلم, ذلك الإنسان المميز, والمؤثر في حياتنا، والذي مازال حاضراً في أذهاننا.
فمهما بلغ الإنسان من العمر فإنه لاينسى معلمه الذي لم يعلّمه فقط أحرف الكتابة والحساب والتعبير، وإنما كان القدوة والمثل الأعلى، وكم قلّد التلميذ معلّمه وبشكل خاص عندما يعود إلى المنزل في كل حركة وسكنةٍ, في نبرة صوته, وحركات يده, لا بل كنا نشتري الطباشير ونكتب إما على ألواح خشبية مكسرة, أو على الجدران، ونصيح بإخوتنا وأخواتنا معتبرين أنفسنا مكان ذلك الإنسان المحترم, صاحب الشموخ برأينا, والمميز في أدائه, فعند دخوله الصف تنتهي كل حركات المشاغبة والأصوات المرتفعة, وكل آذاننا مصغية لما يقول ويشرح ويكتب على السبورة ونكتب وراءه, وإذا سأل أحدنا سؤالاً كنّا نرتبك وأحياناً نرتجف إذا كنا غير عارفين الجواب خجلاً من أنفسنا ومن زملائنا, وفي الاستراحات المحددة كان بعض الأساتذة يتجولون في الباحات، يراقبون حركات وتصرفات الطلاب, فإذا ماظهر شذوذ معين من أحدهم كانت العقوبة جاهزة وفورية , والمراقبة يومياً على الأظافر والشعر والهندام, فالمخالفات غير موجودة إلا ماندر، كنّا عندما نرى معلّمنا في الطريق نطأطئ رأسنا خجلاً واحتراماً, ونهرب في بعض الأحايين حتى لايرانا نلعب في الشارع تاركين دروسنا وواجباتنا ونحاسب في اليوم التالي أمام الجميع بالصف.
وإذا حصل ولم نفهم درساً من الدروس, فكان بعض معلّمينا يطلبون منّا الذهاب إلى منازلهم ليشرحوا لنا الدرس بتفاصيله مع الأسئلة والأجوبة ومجاناً, أما الآن وللأسف الشديد فمعظم الأمور قد تغيرت والأسباب كثيرة جداً, منها الاقتصادية التي أجبرت معظم المعلمين على إعطاء الدروس الخصوصية, فاختلف مايعطيه المعلّم في الصف عما يدرّسه للطالب في منزله، أي إنه يتعامل بمعيارين, فهل بقيت المقولة المشهورة التي تناقلتها الألسن عبر الكثير من السنوات (من علمني حرفاً كنت له عبداً) وهل مازال احترامه موجوداً, فالمشاغبات والتصرفات غير المسؤولة من قبل بعض الطلاب كثرت، ووصل الأمر إلى تقديم الشكوى ضد المدرّس وقد يصل الأمر إلى حبسه وإهانته، سابقاً كان الهدف الأساسي هو التعليم والتعليم فقط, أما الآن فكل كلمة يتحدثها معظم المعلمين لها ثمنها وبالوقت المحدد زمنياً, لا كما كان في السابق يطلبنا إلى منزله ويجبرنا على فهم الدرس ومن دون مقابل.
كان لعيد المعلم بهجته، والآن لايتذكره معظم الطلاب إلا لأنهم يعطلون يوماً بسببه نتمنى عودة الأمور إلى ماكانت عليه, فالمعلّم احترامه واجب ومقدس, وله مكانته الاجتماعية والأخلاقية، فإلى المعلّم في عيده كل التحية والاحترام, وكل عام والمعلمون الأفاضل بخير.
مجيب بصو
المزيد...