في مدينتي الصغيرة العظيمة والتي يُصَنَّف موقعها جغرافياً بأنها تابعة لمناخ شبه صحراوي، فإن صيفها كما هو معروف عند الساكنين والقانطين فيها من أهلها الذين اعتادوا طقسها القاسي بفصليه الظاهرين( الصيف والشتاء).. يتميز صيف مدينتي بارتفاع الحرارة الشديد ولأن الجيل السابق من أهلها اتصفوا بوعي فكري عظيم استطاعوا بحسن تصرفهم أن يزرعوا أشجاراً متناثرة هنا وهناك علها تساعد في تقديم بعض الرطوبة لصيف لا يرحم، فيكسروا بلطفها بعض مجاذف الحرارة المرتفعة لتنعم الأجيال اللاحقة بشيء وإن كان قليلاً من الانتعاش. عندما أذهب لطبيب الأسنان أقطع شوطاً لا بأس به كي أصل إلى عيادته فيستغرق وقتي للوصول حوالي ربع الساعة في الصيف.. أقطع عشر دقائق منها وكأن خيطاً نارياً يمشي برفقتي فيجعل وصولي إلى طبيبي وكأنه دهر من الحريق.. ولكن.. ما أن أصل الشارع الذي تتواجد فيه العيادة – وهو شارع طويل- حتى يتغير الطقس كليا وكأنني أطىء قارة أخرى مختلفة، فتبدأ نسمات باردة كثيفة تنعش إرهاقي وتعيد نشاطي كما لو أنني أمسك بطرف فصل الخريف في الأول من تموز، وتعود دقات قلبي طبيعية ويبدأ جسدي بالبرودة شيئاً فشيئاً.. كل ذلك يحدث بسبب تواجد أشجار كثيرة على طرفي الطريق بالإضافة إلى الحماية التي توفرها بعض الأبنية المرتفعة، لأنعم بخمس دقائق من المشي وكأنني على شاطئ هاواي.. ماذا يحدث الآن؟ ما الذي يحدث لمدينتي؟ منذ أكثر من شهرين بدأ سكان المدينة يلاحظون قطعاً عشوائياً للأشجار بشكل مكثف وكبير، وبدأت الشوارع والأحياء الرئيسية والفرعية تفقد متنفساتها من الأشجار بحجة التقليم وغير التقليم، فيتحول فجأة هذا التقليم إلى قطع كامل لأوصال الشجرة.. حتى تلك الشجرة التي كانت ملاصقة تماماً لباب عيادة طبيب الأسنان والتي كانت مبعث تفاؤل وجمال خلاب كلما هزت أغصانها الخضراء رحمة النسائم، حتى هذه الشجرة لم أعد أراها.. لم أعد أرى إلا ساقاً متفرعة لعدة فروع قد بُتِرَت جميعها من المنتصف لا حول لها ولا قوة.. فلا شجرة بقي ولا انتعاش انتشر.. لتمزِّق أشعة الشمس القوية كل لطف ورطوبة ولتخترق حرارتها أجمل بقعة في المدينة بعيدة عن منطقة(شبه الصحراوي).. من الذي أعطى الأوامر لإبقاء سلمية بلا أشجارها؟ من المسؤول عن (مع الموافقة) لإزالة قطع الرئة المتناثرة في هذه المدينة لمساعدتها على التنفس فتصبح عرضة للاختناق؟ ما الذي يحدث في مدينتي؟؟!…
كنانة ونوس