المشكلة وصلت للأبناء وقد يرثها الأحفاد بعد أربعين عاما.. قرى الغاب النموذجية من تعثر إلى تعثر

 
كل طريق طويل يبدأ بخطوة،وكل عمل عظيم يبدأ بحلم ،لكن حلم القرى النموذجية في الغاب تجاوزت خطواته الألف ميل ولم نصل إلى المراد ،وتجاوز عيده الفضي واقترب من الذهبي،وقد يصل إلى الماسي .. هذا المشروع الحلم الذي انطلق منذ عام ١٩٨٢ لكنه لم يبصر النور بعد،وقد لايبصر في المدى المنظور …. يشمل مشروع القرى النموذجية في الغاب قرى (عين سليمو– الحويجة– شمال القلعة– الزقوم– نهر البارد– جب الأحمر– عين الكروم– شطحة– مرداش- العنقاوي) تجهيز /7181/ مقسماً معدّاً للبناء على مساحة /8500/ دونم وتخديمها بالطرق والكهرباء والمياه والهاتف والصرف الصحي بهدف توزيعها على المنتفعين والمالكين للأراضي الزراعية للحد من التوسع العمراني في الأراضي الزراعية والتحول عن البناء في الأراضي الزراعية إلى البناء في القرى النموذجية بالغاب
 
نبتدي منين الحكاية مايقارب الأربعين عاما على انطلاقة هذا المشروع الذي يحمل عنوانا براقا يجعلنا نتخيل القرى النموذجية في بلدان اخرى،ونعتقد أنها ستكون أنموذجا فريدا في التطور والتنظيم العمراني ، ولكن المضمون يحمل في طياته الكثير من الفشل والتخبط والفساد والتلاعب والاخطاء ،حتى أصبحت فعلا أنموذجا للبيروقراطية وعدم التنظيم والتنسيق بين الجهات العامة ذات الصلة ،التي تتقاذف الاتهامات حول مسؤولياتها عن فشل المشروع.. لاشك أن القرى النموذجية ظاهرة حضارية تحد من امتداد الكتل الاسمنتية على الاراضي الزراعية الخصبة وتحقق البناء العمراني المنظم بمواصفات عالية من التخديم والبنية التحتية والمواصفات الفنية المطلوبة،وحل مشكلة السكن بانشاء تجمعات سكنية منظمة سهلة التخديم يكون الوصول إليها سهلا وكذللك الخدمات اللازمة..هذا من حيث النية والاحلام الوردية،لكن النوايا وحدها لاتكفي اذا لم تقترن بالعمل لتحقيق النتائج المرجوة
ماذا حل بها ؟
ماذا حدث على ارض الواقع ؟حيث جرى تخطيط هذه القرى منذ أكثر من ثلاثين عاما وتم شق الطرقات وتعبيد بعضها خارج الاراضي الزراعية في سهل الغاب الشرقي والغربي وتم تجهيز معظمها بالبنية التحتية كشبكة الكهرباء وتمديد أنابيب مياه الشرب والصرف الصحي وو،لكن للاسف فقد تخربت معظمها بسبب طول المدة الزمنية و تأخر استثمارها إذ تحولت شوارعها إلى أسواق تجارية للباعة الجوالين وعطلت الأوحال وبقايا المحاصيل الزراعية تجهيزات الصرف الصحي. فلا أغطية للريكارات، وأعمدة الإنارة مرمية على أرصفة الشوارع، ومجموعات الهاتف ليست إلا أطلالاً لقرى من المفترض أن تكون مأهولة منذ سنوات. لقد طال الخراب أغلب المرافق العامة التي انتهى عمرها التصميمي قبل أن تستثمر، حيث تقدر قيمة الخراب بعشرات الملايين وانتهى الأمر بحلول توافقية حول إصلاح الخراب والذي تم فيما بعد بصورة جزئية وهذا لم يغير كثيراً من واقع الخراب!! ابراهيم سلوم نائب رئيس بلدية نهر البارد قال:إن المواطنين استثمروا الاراضي بالزراعة والبناء بشكل عشوائي وبعضهم وضع يده على مقاسم ليست له ،وجرت عمليات بيع للعقارات بين المواطنين،ونحن كبلدية سجلنا ضبوطا للمخالفين،وبالنسبة للبنية التحتية لم يبق منها شيئا سوى الطرقات الأطلال وتحتاج إلى إعادة تهيئة من جديد،حتى ان بلدية المزحل المجاورة منحت للمخالفين تراخيص لتركيب عدادات مياه وكهرباء ضمن القرية النموذجية ماذا جرى بشأن التوزيع؟
فوجئت اللجنة المكانية المشكلة لتوزيع المقاسم السكنية بالقرى النموذجية منذ عشرة سنوات تقريبا والتي يرأسها مدير منطقة الغاب وتضم بعضويتها ممثلين عن شعبة الحزب والرابطة الفلاحية وهيئة تطوير الغاب والموارد المائية بأن عدد المتقدمين بطلبات للتخصص بمقاسم سكنية يفوق عدد المقاسم السكنية بالقرى النموذجية بعشرات المرات، إذ تجاوز العدد 30 ألف طلب، مع ان هذه القرى تستوعب 6500 مشترك وقد واجهت عمليات التوزيع اعتراضات شديدة من الأهالي الذين يرون أن شروط وإجراءات التوزيع ليست عادلة ولا تخدم الهدف الأساس لمشروع القرى النموذجية، وهو عدم قضم الأراضي، حيث أكد عدد من المواطنين أن قرار إنشاء القرى النموذجية صدر في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان تعداد سكان منطقة الغاب لا يتجاوز 40 ألف نسمة، بينما أصبح الآن يقارب 300 ألف نسمة، أي إن الزيادة السكانية بمعدل 7 أمثال، ما تسبب في فقدان القدرة على التوزيع لأن عدد المقاسم أقل بكثير من عدد المتقدمين، وهذا الأمر لا يمكن حله إلا بالتوسع البرجي وزيادة عدد الطوابق إلى أربعة أو خمسة طوابق. وأوضحوا أن المعايير المعتمدة في التوزيع غير عادلة على سبيل المثال: للمتزوج 5 درجات ولصاحب الملكية 10 درجات و20 درجة لمن يقيم في منطقة الغاب و10 درجات لمن لا يملك منزلاً وهذا من الصعب إثباته فقد يكون المكتتب لديه منزلا غير مدون على الصحيفة العقارية.
ومرت السنوات .. في العام 2011، كان هناك فرصة للنهوض بالمشروع مجدداً، إذ قررت الحكومة حينها نقل

ملكية القرى النموذجية لمؤسسة الإسكان، لكن وبعد 7 سنوات اعتذرت الإسكان لعدم توافر الملاءة القانونية ،ومع كل تغيير حكومي يأتي الفريق الحكومي الجديد، حاملاً معه رغبة في استئناف العمل لاستثمار مشروع القرى النموذجية في الغاب، ثم لا يلبس أن يخمد الحماس وكأن العجز دب فجأة بالفريق. لقد صدرت عشرات القرارات بخصوص استثمار المشروع كان مصيرها الذبول، وقد بدأت بقرار توزيع المقاسم السكنية كأرض معدة للبناء الذي انتهى بالفشل، مروراً بتوكيل الاستثمار لوزارة الإسكان والتعمير لإقامة أبنية طابقية والتي اعتذرت لعدم توافر إمكانات التنفيذ وصولاً إلى إحالة الملف إلى البلديات التي تعجز عن توفير سيولة لتسديد رواتب عمالها. ومؤخرا تمت دراسة الوضع الراهن لكل قرية على حدة وفق المخططات المعتمدة سابقا مع الاخذ بعين الاعتبار الأجزاء الموزعة والمشغولة في كل قرية والبنى التحتيةووضع قاعدة بيانات وفق الواقع مع الحلول والرؤى وكيفية الاستفادة من التصورات والمقترحات القابلة للتطبيق بحيث يجري استثمار جزء من هذه القرى بمشاريع استثمارية تنموية لا تؤثرعلى التنمية العمرانية المقترحة لحل مشكلة التزايد السكاني وعدم التوسع العمراني في الاراضي الزراعية..
أين وصلنا .. عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة في مجلس المحافظة،والمسؤول عن هذا الملف المهندس رفيق عاقل قال:تم تشكيل لجنة من وزارة الزراعة والموارد المائية والإدارة المحلية والإسكان لوضع الرؤية النهائية للقرى النموذجية،وأضاف بان هناك مقترحات لتطبيق مبدأ الجمعيات والشراكة مع اي شركة او وزارة ترغب بالاستثمار في القرى النموذجية،وهذا يحتاح إلى صيغة قانونية وان يتم اعتماد البناء الطابقي مع مراعاة الكثافة السكانية،بسبب ازدياد عدد السكان ،وفتح باب الاكتتاب والاولوية ستكون للقاطنين واسر الشهداء،وتعديل البنية التحتية،وان تشارك المحافظة باستثمار جزء من تلك المساحات بإقامة مشاريع تنموية
آخر القول كلمات عديدة قد كتبت ،ولجان متعددة شكلت ،واجتماعات وزيارات ولقاءات بددت ،وأموال كثيرة صرفت،واحلام وردية رسمت، ولكن المشروع لم ينته بعد، ولم تكن هذه القرى اسما على مسمى ،والاحلام انتقلت إلى الابناء وقد يرثها الاحفاد،فهل ستحقق لجان اليوم ما فشلت بتحقيقه لجان الأمس،وهل سترسم جهودها بارقة الامل التي تنهي هذا المشروع المتعثر ؟ لعلنا نجد سطرا مضيئا في السواد الذي خيم لسنوات.
 
فيصل يونس المحمد
المزيد...
آخر الأخبار