مؤونة الشتاء وغلاء الأشياء

 
 
تبقى المؤونة الشتوية الأقدم في تقاليد العائلة العربية , بل و تأخذ عند بعض ربّات البيوت شكلَ هوسٍ لا ينتهي , فتدخل الواحدة منهن في ورشة تموين ليس لها نهاية ، وتخصّص لذلك مستودعات وبرّادات خاصة, وثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها، أنَّ تحضير المؤن لا يتعلَّق بمبلغ ضخم يرصد من أجل هذه (المؤونة) وحسب , بل يتجاوزه نحو الحسرة التي ترافق الكثير من العائلات طوال فصل الشتاء، لغياب بعض الأصناف من مؤنهم نتيجة الغلاء الفاحش في هذه الأيام التي كشرت فيها الأسواق عن أنيابها الصفراء.
تحضير المؤونة‏
تحضير المؤونة , تستحضرها أم كريم بمثل شعبي، قالت إنها حفظته عن جدتها :    ( بأيلول وتشرين موّن لعيالك, وشيل الهم عن بالك) ، قبل أن تتابع بلهجة الخبير العارف : مؤونة الشتاء في البيت مثل القرش الأبيض الذي تخبّئه لليوم الأسود, ومتى وجدت القمح والبرغل والدهن يرتاح البال .‌‏ وراحة البال أيام زمان، التي تعنيها أم كريم ، هي الخروج من دائرة الضائقة المعيشية, التي غالباً ما تضيق أكثر في فصل الشتاء, فهو فصل مصاريف المازوت والمدارس , وفيه يغيب عدد كبير من أصناف الخضراوات والأطعمة، وإن وجدت فهي غالية الثمن، ولكن ما يحدث الآن أنَّ الأسعار لا تتغيَّر، بل ترتفع صيفاً وشتاءً والله يرحم أيام زمان .‏
المكدوس من مفردات المؤونة‏
المكدوس من أساس المائدة لدينا , خاصة الفطور, و هو من أصناف المونة, لكن هذه الأيام افتقرت كثير من البيوت هذا الصنف بسبب ارتفاع سعر مكوناته كاملة, فالباذنجان وصل الكيلو لسعر مرتفع ، والزيت حلق عالياً ، أما فحدث و لا حرج , بغض النظر عن الفليفلة الحمراء و الإضافات الأخرى.‏
تجهيز المكدوس‏
حبة الباذنجان صغيرة الحجم ذات اللون الفاتح هي المفضلة لإعداد المكدوس ,هكذا قالت أم سمير و أكملت : يتم نزع القشرة الخضراء عن الباذنجان و غسله, ثم سلقه و تصفيته لوقت قليل ,بعدها يتم شق حبة الباذنجان من أحد جوانبها و نملأها بالملح و يتم لفها بقماش نظيف ووضع الأوزان فوقها لتصفيتها من الماء, بعد عدة أيام تعرض للهواء و تحشى بالحشوة الخاصة و ترتب بالمطربانات و تغمر بالزيت , بالطبع يفضل زيت الزيتون الأصلي.‏
تغيرات‏
أكملت أم سمير : هكذا يحضر المكدوس لكن هذه الأيام جعلتنا نتخلى عنه أو في أحسن الأوقات نختصر كثيراً من الكمية التي كنا نحضرها كل سنة و نتلاعب بالحشوة , كل ذلك لغلاء الأسعار بشكل مخيف. فيتم استبدال الجوز باللوز أو بالفستق أحياناً ,حتى أن جارتي استبدلت الكل بالثوم. و نخلط زيت الزيتون بزيت دوار الشمس ,هذا مع حسبان تكلفة الغاز . فسألتها هل أعددت المكدوس هذه السنة؟ أجابت ضاحكة: نعم لأني خبأت قليلاً من الجوز من السنة الماضية. و اكتفيت بمطربان واحد صغير, يعني على مبدأ « شم و لا تدوق».‏
مونة على الموضة‏
أما غادة فتقول : الحياة العصرية لم تعد تتَّسع لوقت التحضير والتجهيز, كما أنَّ المنتجات الجديدة من هذه المحفوظات صارت متاحة بين أيدي ربات البيوت بأنواع مختلفة وعديدة, الأمر الذي أسهم في تقليص قائمة المؤونة الشتوية.. واستطردت في شرح سلامة حفظها ونظافتها وراحة البال التي تؤمّنها؛ فهي لا تتطلَّب أكثر من زيارة إلى السوق لشرائها, إلا أنَّ غادة نسيت أو تناست أسعار المونة الجاهزة بغض النظر عن مصداقية إنتاجها.‏
اخيرا لابد من القول : لا غنى عن المؤونة التي تحضر بالبيت و ذلك لسلامتها  و نظافتها الأكيدة , و هي تشكل عاملاً مشتركاً بين مجتمعاتنا على اختلافها, لكن جنون الأسعار لم يترك للأسرة خيارات واسعة لزيادة تشكيلة المؤونة أو كمياتها ,و على قد بساطك مد رجليك.
شريف اليازجي
المزيد...
آخر الأخبار