ازداد في الآونة الأخيرة ظهور الصفحات و المواقع على شبكة التواصل الاجتماعي التي تتعامل من المشاكل و الأزمات بأسلوب ساخر و فكاهي من خلال الإنتقادات التي توجهها للواقع اليومي الذي يعيشه الناس بطريقة كوميدية، تحمل في طياتها الكثير من الفكاهة والضحك على الرغم من مرارتها وسوداويّتها.و لم يقتصر ذلك على العالم الافتراضي بل أصبح أكثر انتشارا حتى في الحياة العامة الواقعية اليومية .
حول الأبعاد النفسية و الفلسفية لهذه الظاهرة و أسباب ازدياد انتشارها مؤخرا التقينا الزميل الإعلامي رضوان السح و هو إلى جانب عمله كرئيس لقسم الثقافة في صحيفتنا الفداء استاذ في علم الجمال بجامعة حماة و يحمل شهادة ماجستير في الفلسفة الذي تحدث قائلا ” بحث الفلاسفة في ظاهرة الضحك ورأوا فيها ظاهرة يمتاز بها الإنسان عن غيره من الكائنات وربما كان الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون هو خير من بحث ظاهرة الضحك، وترك لنا كتابا مهما بعنوان (الضحك) وهو يبحث هذه الظاهرة انطلاقاً من مبدئه الفلسفي القائم على أن الحياة دفقة من الطاقة في المادة الجامدة.وهذه الدفقة تقوم بتطوير علاقتها بالمادة فتتطور الأشكال الحيوية في المملكتين النباتية والحيوانية. وإذا كان الاشكال النباتية والحيوانية قد استقرت في بنى ثابتة فإن الكائن الوحيد الذي استمر في التطور هو الإنسان، وذلك من خلال الضحك.فنحن عندما نضحك لرسم كاريكاتيري فإنما نضحك من الجمود الذي يسببه الذهول أو الغباء أو التقليد الببغائي. وعندما يسود الضحك من ظاهرة اجتماعية معينة فهذا يعني أن الرأي العام قد كشف الجمود والتخلف في هذه الظاهرة،وصار المطلوب تجاوزها.وهكذا نحن نتطور من خلال النكتة والحس الكوميدي عامة، حتى أمكن القول إننا نتجاوز مرحلة من تاريخنا من خلال الابتسامة.
كيف يفعلون ذلك و لماذا ؟
و هل الأزمات و الأوبئة وحدها مسؤولة عن ذلك؟
لدى متابعتنا لهذا الموضوع و كيف و لماذا تتزايد الانتقادات الساخرة الكوميدية في الأوساط الاجتماعية سواء في الحياة الافتراضية أو الواقعية اطلعنا على بعض الأبحاث النادرة التي تعالج موضوع النكتة ووظيفتها الاجتماعية و العوامل التي تؤدي لازدياد ظهورها و قد أوضحت بعض تلك الدراسات بأن السخرية والنكات لا تقتصر على زمن الأزمات و الأوبئة، بل تزدهر في جميع الظروف الاستثنائية التي تواجه الشعوب، لتخفف آلام الناس، فالضحك هو طريقة فعالة للتنفيس عن الضغط النفسي الناتج عن الخوف من المجهول .
و تؤكد إحدى الدراسات بأن الضحك وسيلة لمواجهة عجزنا، وترميم ذواتنا كما أنه يزيد من منعنا النفسية و أيضا من مناعتنا الجسدية في مواجهة الأوبئة و الأمراض . و دراسة أخرى تقول بأن روح النكتة هي مهارة تساعد الناس لدرجة كبيرة في التخفيف من حدة المشاعر السلبية، لكنها حماية مؤقتة وجزئية فقط، و يضعف تأثيرها الإيجابي بمرور الوقت لهذا من الضروي مرافقة استخدام النكتة مع دعم الوظائف النفسية الأساسية بأفكار وممارسات تزيد الثقة بالنفس و السيطرة على المشاعر السلبية الطبيعية، وهذا ما ينطبق على زمن الكورونا .
باختصار
باختصار هذه الظاهرة أضحت أكثر وضوحا و هي في ازدياد مستمر و لاشك أن النتائج التي خلص إليها المتخصصون توصف و تعرض الأسباب النفسية و الفلسفية و العلمية للظاهرة و لكن لعلهم أغفلوا سببا جوهريا و غاية بالأهمية و هو أن كثير من طالبات و آراء هذه الفئات الإجتماعية لم تأخذ بعين الاعتبار من الجهات المعنية لهذا تعمد هذه الطريقة للتعبير عن نفسها .
عهد رستم