اليوم لا يشبه أي يوم آخر .. لقد نسيت ما اسمه من أيام الأسبوع ..نسيت تاريخه في التقويم أحسست بجوع أيامي وتشرد لهفتي ، و رغبت أن تكون معي وإلى جانبي لتمسح تعبي بأهدابك وأحدق فيك بذهول وأسألك :
هل أنت صادق ؟ هل أنت حقيقي ؟ وهل تستطيع أن تفهم حبي و إخلاصي ؟ اليوم ركبت سيارتي ومشيت بهدوء .. سرت لا أعرف إلى أين أسير ، سرت في شوارع المدينة كلها وأفكار كثيرة تعشعش في ذاكرتي. كنت خائفة من نفسي… من المجتمع من عيون كل من حولي ، توقفت عند الشاطئ ونزلت من السيارة ، جلست على الرمل لا أريد أن أرى أحداً أبداً. نظرت إلى السماء وفي عيوني تزاحمت دموع انهمرت رغماً عني ، كانت غيمة شاردة في المجهول ضائعة بلا تاريخ ولاعنوان قلت لها : إلى أين ذاهبة ؟ حدثيه عني إن مررت بسمائه وقولي له : ألم تكن قاسياً أيها الحبيب! ألم تكن غامضاً ! لقد علمتني كيف أحب وأن أضع الحب في إطار وأطبق عليه ، الحب ليس رحلة ممتعة ، ولا رقصة مبدعة بل لحظة عطاء إلهية ..تطلعت إلى البحر ، حدثته عنك وعني الكثير قلت له : إنك البحر… إنك خفق قلب يغني مع الزمن فتولد رغبات وتموت رغبات وأنت أراك من البعيد تبتسم لي ، كوردة عاشقة بين غصون ضائعة تعانق نبعاً بلا قرار ..اقتربت من مقهى صغير ، دخلته لأستريح.. لماذا في هذه اللحظة ارتسم كل شيء مرّ معي أمامي.. تذكرت عندما جلسنا أنا وأنت على هذه الطاولة ، وشربنا القهوة ثم تحدثنا .. ضحكنا معاً .. حلمنا معاً ..قبلت يدي.. تركتني فجأة أيها الزوج الحبيب بعد زواجنا بشهور قليلة و سافرت ..لتختص ..وتكمل تعليمك في الخارج ، كانت هذه رغبة والدك أن تصبح طبيباً ، ابتعدت عني .. وتركتني مع والدك و والدتك ..لكني أنا لم أغادر منزلنا ..أنا أحبه لقد خبأنا في زواياه أحلى ذكرياتنا . كعادتي … أخرج كل صباح إلى النادي الرياضي … ألتقي بصديقاتي .. كان هناك صديق والدي ، كنت أشعر بعاطفة ابنة وحب أبوي تجاهه ، هو بعمر والدي ..وبعد وفاة والدي لم يتخل عنا أبداً. يتصل دائماً ويسأل عني ، كنت أتحدث إليه بالهاتف ويمر ليأخذني معه ومع عائلته إلى النادي ، أو أزورهم في المنزل برفقة والدتي.
لكن أخشى من نظرات والدتك ، كانت ترمقني وكأنها تتساءل من هذا الرجل الذي أذهب معه دائماً ، والدك اسمعه يتحدث معها قائلاً: دعيها وشأنها ..تتسلى في غياب زوجها ..لقد افتقدته..
ذات صباح كنت جالسة معهم نتناول طعام الفطور قال لي والدك : ليلى ..صديق والدك في أي وقت يأتي ليأخذك إلى النادي؟ وقبل أن يكمل سؤاله أحسست بغرابة السؤال ، وترددت بالإجابة .. وتردد صدى السؤال في ذاكرتي . هل هناك من شكوك حولي ؟ أم شيء ما يريد والدك معرفته ، أم يريد التعرف عليه ، أجبته بهدوء :
إنه مريض ولم يخرج من منزله تركتهم وخرجت لبيتنا..وفجأة رن جرس الهاتف الفرعي في منزلنا رفعت السماعة بدافع الفضول ، وإذ بصوت يشبه صوت زوجة صديق والدي تتحدث مع والدتك ، لقد سمعت نهاية الحديث تقول لها: أريدها أن تبتعد عن زوجي وهذا أفضل لها…
هنا دارت الدنيا بي ..ترى هل تقصدني بحديثها ..؟ وهل تتكلم عني ؟ رأسي يكاد ينفجر ، أعدت النظر بتصرفاتي . إنها واضحة ، لم أخطئ .. أنا لا أعرف رجلاً غيرك… وهل من المعقول أن يقال عني كذا .. وكذا أغلقت باب منزلي ..وبكيت ، منذ شهور أو ما يقارب العام لم أرك أبداً .. رسائلك حديثك معي على الهاتف يقرب بيننا لكن هذا لن يكفي .. لقد اتخذت قراراً ، ومن هذه اللحظة لن أخرج ، وسوف ابتعد عن كل من حولي حتى أهلي ..إنني أخشى نظراتهم وعيونهم ترمقني بخوف ، هذا من حقهم ، إن زوجي بعيد عني .. وهذا ما يثير الشكوك ، من الآن أنتظر خيطاً أبيض واهياً يقربني منك ويعيد إلي ثقتي بنفسي. خرجت من المقهى .. وعدت إلى منزلي ، دخلت المبنى صعدت الدرج وجيب قلبي يهتف بخوف شديد من أي شيء أنا خائفة لا أدري.. فتحت والدتك الباب وبادرتني بلهفة وحنان لم أعهده من قبل ليلى .. تعالي ليلى ..أرسل لك أحمد رسالة لتسافري إليه .. تعالي حبيبتي : تطلعت إليها.. منذ زمن لم ألمح بعينيها هذه العاطفة ، ولم أشعر بهذه اللهفة وتردد السؤال في ذاكرتي…إذن من التي حدثتها وقالت لها: أريدها أن تبتعد عن زوجي ، من…من …؟؟ رجعت إليها بسرعة … وعانقتها بكيت على كتفها ، عانقتني ومسحت دموعي وهي تعاتبني بحرارة: ليلى… لماذا ابتعدت عنا؟ أنت ابنتنا الغالية أنت زوجة أحمد منذ زمن لم نجلس معاً ألم تلاحظي ذلك..!! هدأت قليلاً ، واعتذرت إليها ، أجلستني إلى جانبها وأنا أتساءل في داخلي ما هذه الأفكار السوداء التي أرعبتني وشدت على خناقي هل كان ذلك وهماً؟ كانت غيمة ضبابية غير عادية فوقي… أعطتني رسالة أحمد ، وهي تشهق بدموع الفرحة ، كانت سعيدة برسائله وحديثه معها: هو في لندن وسوف يعود طبيباً بارعاً ، قالت لي:
ليلى هيا ، استعدي لتسافري في هذه الأثناء دخل
والدك وهو يبتسم قائلا :
أحمد الله أني رأيتكِ يا ابنتي . لدي مفاجأة لقد تعرفت اليوم على صديق والدكِ كان صديقي منذ زمن وسوف يزورنا اليوم مع زوجته إنه رجل وقور و محترم .
ما أصعب الوهم الذي كنت فيه .. دوامة من عذاب النفس عشتها أيام ، رسالتك أحمد أعادت إلي الثقة و الاطمئنان .
لقد كان وهماً و انتهى الآن ، سوف أحاول أن أمسك المستقبل القادم رغم هذه اللحظات من الضعف التي انتابتني . سأسافر إليك لا أحتمل إلا أن أكون معك و تكون معي .
*رامية الملوحي*