حوار مع الشّاعروالفنّان علي الأحمد : الإنسانُ هو محور نتاجي الأدبيِّ والتَّشكيليِّ.. *

الشّاعر والفنّان التشكيلي علي الأحمد، اسم معروف في الأوساط الأدبية والفنية ليس على مستوى محافظة حماة فحسب، إنّما على مستوى ىسورية ، قصائده دافئة، مفعمة بالصور الشعرية المبتكرة، فيها الكثير من الإدهاش والدلالات المجازية وهذا أعطاه تفرداً وتميّزاً في كتابة قصيدة النثر..
أما لوحاته الفنية فيها رمزية وإبداع يبدو جلياً من خلال تداخل الحركات والألوان..
الفداء إلتقت الشاعر والفنان علي الأحمد وكان هذا اللقاء :
*الشاعر والفنان علي الأحمد تجربتك الإبداعية طويلة ولك حضور لافت في الأوساط الأدبيّة والفنية، كيف أقدمك للقراء الشاعر أم الفنان؟
**أشكرُ لكُم كلماتِكم المُعمَّدةَ بالمَحبَّةِ والإنسانيَّةِ .
وإنَّني إذ أتَوَشَّحُ بِطِيبِ تقدِيمِكم ؛ أستميحُكم عُذرًا وأقولُ :
إنٔ قدَّمتَني عاشقًا للكلمةِ الَّتي أعتبرُها كائنًاحيًّا يُغريني ، ولو أنَّني لم أفِ الصُّورةَ الشِّعريَّةَ بعضَ جماليَّاتِها ، وعُمقِ بَوحِها ؛ لِيكُن لها مدَّها ومَداها …..
وإنْ قدَّمتَني فنَّانًا تشكيليًّا حالِمًا بعملٍ جَمَالِيٍّ ، وعَالَمٍ تُزيِّنُه الألوانُ إنسانيًّةً ومحبَّةٌ ؛
فهذا أيضًا يأخذُ منِّي كُلَّ مأخَذٍ …..
* تكتب قصيدة النثر بنكهة خاصة، هل تجد نفسك في هذا اللون أم أنّ لديك مجالات أخرى للكتابة؟
** مع كلِّ شَغَفِي لِعَمُودِيَّةِ القصيدةِ ، وروعَةِ هذا العالمِ الخاصِّ ، والجاذبِ وما فيه من جَماليَّةِ القالبِ، فإِنَّني أميلُ إلىٰ ( قصيدةِ النَّثر )، لِمَا أجدُ فيها من إغراءِ مساحةِ حريَّةِ الكلمةِ ، وإعطاءِ الصُّورةِ أبعادًا فنيَّةً ، وأعماقًا فلسفيّةً ، وخُصوصيَّةً وتفرُّدًا للشَّاعرِ  .
يبقىٰ التَّنويهُ _ لو سمحتَ لي _ أنَّ الكتابةَ / القصيدةَ ؛ ولو كانت بقوالبَ مُختلفةٍ فإنَّ القِيمةَ ، والجَماليَّةَ تظهرُ بالّذي يمتلكُه الشَّاعرُ / الكاتبُ ، ومالديهِ من سُبُلٍ فنيَّةٍ وإبداعيَّةٍ تُظهرُ حُسنَ الكلمةِ .
* كيف ترى واقع قصيدة النثر اليوم رغم تكاثر أعداد من – يدّعون – أنهم يكتبون هذه القصيدة؟
** أُستاذ حبيب،  وأنتَ المُتبحِّرُ بعالمِ الكلمةِ ، والكتابةِ،
تعلمُ ماتغصُّ به السَّاحةُ الأدبيَّةُ محليًّا وعربيًّا بنتاجاتٍ مُتفاوتَةِ القِيمةِ لُغةً وجَماليّةً ، وقد تخلو بعضُ  الكتابةِ _ للأَسف _ من أيَّةِ صفةٍ أدبيَّةٍ ، أو إبداعيَّةٍ؟!  مع وجودِ ، وتواجُدِ اسماءٍ تُغني الحركةَ الثَّقافيّةَ الأدبيّةَ ،كما تطُلُّ بعضُ الاسماءِ المُثابرةِ والمُبدِعةِ من جيلِ الشّباب ، وهذا أيضًا يرفدُ القصيدةَ بروحٍ إبداعيَّةٍ عصريَّةٍ .
واسمح لي هنا أن أمِيزَ بينَ المُدِعِين وبينَ المُتطفِّلِينَ الّذين يعتبرونَ قصيدةَ النَّثرِ سهلةَ المَنالِ كنتاجٍ أدبيٍّ فيسلُكون مُستَسهِلِين ، فلا ينجحُون ، ولاينالون، ويغرقون بمتَاهاتِهم ، وتموتُ تجاربُهم؟!
فالشَّاعرُ شاعرٌ في أيِّ قالبٍ يكتبُ، والكَثرةُ في ذلك ماهي إلَّا مؤَشِّرٌٌ علىٰ عدمِ صِحَّةٍ …..!
*أنت تنشر في ملتقيات أدبية عديدة داخل سورية وخارجها، هل أضافت تلك الملتقيات للشاعر والفنان علي الأحمد أشياء جديدة؟
** المُلتقيات موجودة وعلىٰ مساحةٍ واسعة .ولها مالَها وعَلَيها ماعليها ، ولا نستطيع أن ننكرَ دورها في  اِطِّلاعِ الأدباءِ علىٰ تجارب مُميّزة ، وإغناءِ تجارب جديدةٍ.
أمَّا بالنّسبة لي أقولُ إنّها لم تُضِفْ لي شَيئًا غيرَ التّفاعُلِ مع العديدِ من الأصدقاءِ الأديباتِ والأدباءِ ، والفنَّانين والفنّانات ( التَّشكيليِّين ).
ولم أصلْ – بالمُلتقيات – إلىٰ المُبتَغىٰ إنْ في مجال الكلمةِ ، أو اللّونِ.
*من يتابع صفحتك عل الفيس بوك يجد تنوعاً ثراً فيما تنشره، هل ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على إبراز المبدعين الحقيقيين؟
**أقول بصراحةٍ : لسبَبٍ أو لآخر نحن مجتمعٌ لايهتمُّ كثيرًا بالقراءةِ ، ولا في ارتيادِ المكتباتِ والمراكزِ الثّقافيّةِ وغيرِها من دُورٍ معرفيّةٍ.
فكانَ الدَّورُ الأمضىٰ والأكثر فاعليَّةً – في هذا المجال –
لوسائل التّواصلِ الإجتماعيِّ ، فهي الأسرعُ والأقرب مَنالًا وتفاعُلًا وانتشارًا، فهيَ ثورةُ العصرِ  ، وتمتلكُ مُقوِّمات إظهارِ إبداعِ المُبدِعِين ونتاجهم، لكن ليس لها دَورٌ في غَربَلةِ الأعمالِ ، و نّقدها ، وتقييمها؟!
*ثمّة أراء نقدية خجولة نقرأها بين الفينة والأخرى، هل النقد في هذه المرحلة يواكب الإبداع والمبدعين؟
** إشكاليَّةُ النَّقدِ والفنِّ ( بكلِّ شُعَبِه وأجناسِه ) ؛ قديمةٌ  جديدةٌ ……! حيثُ المُنتجُ سابقٌ زمنيَّا وإنجازًا، والعملُ النَّقديُّ يَجِيءُ لاحقًا ؛ وهنا تكمنُ القيمةُ النّقديّةُ لأيِّ رأيٍ نَقديٍّ، من حيثُ جِدِّيَّةُ وعُمق النِّتاجِ النَّقديِّ ، وكثيرًا مانفتقرُ إلىٰ دراسةٍ نقديَّةٍ متكاملةٍ – زمنيًّا ، وعُمقيًّا –  تواكبُ وترعىٰ الأعمالَ الفنيَّةَ والأدبيَّةَ حقَّ المواكبةِ

والإهتمامِ والغوصِ لالتقاطِ جماليّاتِها،
فتظهر محاولاتٌ نقديَّةٌ خجولةٌ ، او غيرُ مُتكاملةٍ علميًّا،
وتظهرُ الأعمالُ الإبداعيَّةُ كأنّها عابرةٌ ، أو كأنّها وُلِدت  ولا اهتمامَ بها؟!
*يسعى كل أديب لطباعة ونشر نتاجه من خلال مجموعات شعرية أو قصصية، هل لديك أعمالاً مطبوعة؟
** لقد أنجزتُ أربعَ مجموعاتٍ شِعريَّةٍ ؛ منها ثلاثُ مجموعاتٍ
جاهزةٌ للطِّباعةِ .وواحدةٌ في آواخرِ مراحلِ إعدادِها وإنهاءِ ترتيبِها ، وانتظارِ التّقديمِ، وللأسف لم أطبع أيَّةَ مجموعةٍ
منها، حيثُ الطِّباعةُ مُكلفةٌ في سوريَّة ،
ودُورُ النَّشرِ في العراقِ تَسلبُ الشَّاعرَ كلَّ حقوقَه فيما إذا هي قامت بالطّباعةِ .لذلك لم أُوَفَّقَ إلىٰ طباعةِ أعمالي …..!!!
* هناك علاقة وثيقة بين الأدب والصحافة ، هما جناحا المعرفة، كيف ترى هذه العلاقة، ومن يقدّم للآخر؟
** نعم هما كذلك ، ولولا الصّحافة لَمَا وصلت المعرفةُ للنّاس بانتشارِها الواسعِ ، ولما اطَّلعَ القارئُ علىٰ مايُنتجُ الأديبُ .
وهذه العلاقة ينتابُها أحيانًا شيءٌ من الوَهنِ أو انشغالُ الصّحافةِ ببعضِ القضايا الّتي تأخذُها من الأدبِ ، أو تحرمُ الأدبَ والفنَّ من مساحتِه في مُتنفسِه ( الصَّحافةِ )، وما يُعالجُ الحالةَ تلكَ ويرتُقُ الخللَ فيها ؛ هو تَواجُدُ قاماتٍ أدبيَّةٍ فاعلة ومهتمّة  في مفاصلِ الصّحافةِ، وهذا يُغني الصّحافةَ والأدبَ بآفاقٍ إبداعيّةٍ .
*اللوحة الفنية واللوحة الشعريّة فيهما الكثير من التجليات والإشارات، كيف توظف كل هذا في إبداعك؟
** الفنُّ رسالةٌ ؛ وبهذا يقعُ علىٰ عاتقِ الفنَّانِ والشَّاعرِ  كحاملِ رسالةٍ أنْ يكونَ نِتاجُه مَوْسُومًا بِعُمقِ الرُّؤيةِ ، وقراءَةِ
الواقعِ وفَهمِ المُحيط، وبذلكَ لايكونُ الفنُّ تَزيِنِيًّا ،ولا الأدبُ لِلَمديحِ وماشاكلَ .
أعمالي الفنيَّةُ ونتاجي الشِّعريُّ تَتَجلَّىٰ فيهما رؤيتِي ورسالتِي  .
*أنت فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير هل برأيك تعدد الأشكال الفنية يحد ّ من الإبداع؟ بمعنى آخر هل التخصص في مجال محدد أفضل؟
**   أُفضِّلُ التَّفرُّدَ بشكلٍ من الفنونِ ؛ إلَّا أنَني طرقتُ أبوابَ شُعبِ الفنِّ التَّشكيليِّ ولم أشعُر إلَّا بالتَّأثيرِ الإيجابيِّ …
قد يكونُ الفنّانُ مُتعدِّدَ الهواياتِ و يَستطيع أَن يوظِّفها في مناحي نتاجه ومواضيعه المُختلفة ؛ لكنَّ ذلك يتطلّبُ منه مُضاعفةَ الجُهدِ وبذلَ الوقتِ ، ومايُغني هكذا تجربةٍ هو ثقافةُ الفنّان واطّلاعه ، وغِنَىٰ فكره.
*هل لك مشاركات في معارض فنيّة فرديّة أو جماعيّة؟
** لقد شاركتُ في معارض اتِّحادِ الفنّانين التَّشكيليِّين عبر مسيرةٍ طويلةٍ ، ولم أتخلّف عن المُشاركةِ بكلِّ المَناسباتِ والتّقاليد المعهودة للإتحاد …
_ المَعرِضُ السّنويّ ..
_ معرِضُ الخـربف ..
_ المُناسبات الوطنيّة ..
_ المعرِضُ السّنويّ بمناسبة 6 تشرين ؛ بالتّعاون بين وزارة الثّقافة والإدارة السّياسيّة ….
_ مهرجان المحبّة / اللّاذقية .
_ مهرجان الرّبيع   / حماة ..
_ كما نفّذتُ العديد من المعارض الفرديّة في مناطق مختلفةٍ من الوطن ، أهمّها في مصياف ، وسلَمْية ……
_شاركتُ بالكثيرِ من المعارض الجماعيّة ، ومنها معارضُ جالت علىٰ مناطقَ من الوطن …
*استكمالاً للسؤال السابق هل انتسبت لنقابة الفنانين التشكيليين؟ وإن كانت الإجابة نعم ماذا قدّمت النقابة للفنان التشكيلي؟
نعم انتسبت لنقابةِ الفنون الجميلة، والّتي صارت لاحقًا اتِّحادًا …
وماقدّمت النّقابة للفنّان التّشكيليّ هو بالإضافة للأشياء التّنظيميّة وتنظيم المعارض ؛ صار للفنّان التّشكيلي مايُسمَّىٰ (راتب تقاعُدِي) ، ولو انَّه متواضعٌ جدًّا او بشكلٍ رمزيٍّ .
*لا شك أن للبيئة دور هام في إبداع الأديب أو الفنان، كيف وظّفت مفردات تلك البيئة في الشعر والفن؟
** لاشكَّ أنَّ ( الإنسانَ ابنُ بيئتِه )، وللبيئةِ أثرٌ يظهرُ في نِتاجِ الفنَّان والشّاعرِ ، وبيئتُنا غنيَّةٌ بتراثِها وشعبيّتها ، وتبدو مُفردات البيئة واضحة في العملِ الفنيِّ أَو الشِّعريِّ .
حيثُ أفَدتُ من البيئةِ وعناصرِها ومفرداتِها في أعمالي ؛ إن يكن جَماليًّا في تكويناتِ أعمالي التّشكيليّةِ ، او الأعمال الشّعريّةِ .
يبقىٰ شيءٌ مُهمٌّ في ذلك هو التّوظيف الإنساني للمُفرداتِ ولِمُكوّناتها .

* تتعدد مواضيعك سواء في الشعر أم في الرسم، كيف ترى تجربتك في هذا المجال؟
** الفنّان يتناولُ في أعمالِه أغلبَ المواضيعِ الّتي تُحيطُ بحياته والشّاعر كذلك، ولا بُدَّ من مُعالجةِ ماتنطوي عليه الحياةُ الإنسانيّةُ بشكلٍ عامٍّ ، ومِنْ ثمَّ تتشعّبُ المحاوِرُ والمواضيعُ .
بالنسبّةِ لي يبقىٰ الإنسانُ هو محور نتاجي الأدبيِّ والتَّشكيليِّ .
* *أنت مدرس، ولا شك أن مهنة التدريس والتفاعل مع الطلبة تفتح أقنية جديدة للإبداع، ماذا أضافت لك هذه التجربة؟
العملُ في التّدريس كذلك رسالة، وأفقُ التّربيةِ والتّلاميذِ أُفقٌ غنيٌّ بالإبداعِ والعطاء .
لقد أغنيتُ تجربتي كلمةً وتَشكيلًا من حيث التّفاعلِ مع
نتاجِ التّلاميذ، فكلُّ حركةٍ من تلميذٍ قد تغدو لوحةً أو قصيدةً .
* السؤال الذي آثرت عدم طرحه في بداية هذا اللقاء :ماذا عن البدايات؟
البدايات كانت في الضّيعةِ ( سيغاتا ) ؛ ريف مصياف، حيثُ الطُّفولةُ الأولىٰ وولادة هوايتي كلمةً وتشكيلًا .
ما كان يؤلمني أنّ الهواية لاتجد من ينمِّها او يرعاها بشكلٍ علميٍّ _ إلّا من والدي _الّذي كان مُشجِّعًا وراعيًا، وكانت تحدِّياتُ موهبتي بالمُثابرة مُعتمدًا علىٰ ذاتي وبدون أيٌّ مُختَصٍّ .
ومن أهمِّ المحطّات طلبُ والدي رسمَ شخصيّةٍ بالألوان المائيّةِ وكانت النّتيجة مُرضيةً لوالدي . ( وكنتُ وقتذاك في الصّفِّ الرّابع الإبتدائيِّ )، كذلك في اللّغة العربيّة حيثُ درَّسني كتاب
المُفيد في اللّغة العربيّة ( الشّرتوني ) ؛ كما كانوا يُسمّونه،
وحِفظ جزء عمَّ من القرآن الكريم ، والإطِّلاع علىٰ نهجِ البلاغة ، والمُعلّقات وغيرها.
من أهمِّ المحطَّات في حياتي :
طفولتي مع والدي ، وشبابي الأوَّل مع الفنَّانين التّشكيليِّين
مع حفظ الألقاب للجميع وهم أساتذتي :
(ميلاد الشّــــــايب    ، ناظم الجعفـــــري    ، ممدوح قشــــلان    ، د . فاتح المُدرِّس    ،محمّد ناجي عبيد  )
إضافةً للعديد من الأدباء والفنّانين التّشكيليِّين …..
*بطاقة :
علي مُحمَّد الأحمد، مواليد : ١٩٥٨ قرية سيغاتا / مصياف
الشّهادة العلميّة :معهد إعداد المدرِّسين / تربية فنيّة .
• درست في كليّةِ الفنون الجميلة / دمشق
• درستُ سنةً في الجامعة اللبنانيّة / لغة عربيّة
• درست سنةً إعلام / تعليم مفتوح .
العمل الحالي : مُتقاعدٌ
مُتفَرِّغٌ لأعمالي الفنيّةِ والأدبيّةِ ، وقراءاتي الخاصّة .
حبيب الإبراهيم

المزيد...
آخر الأخبار