قصة قصيرة .. بائع الزهور – رامية الملوحي

الفداء-

اشتاق لوطنه .. غاب طويلاً بسبب عمله و قرر العودة .. دخل منزله كان خالياً .. الهدوء يخيم على المنزل .. استلقى على سريره . راح يفكر بأهله . و أصدقائه . و صديقته الأثيرة لديه . تركها زمناً . ردد في داخله :
ـ ما أقسى البعد و الفراق . يجب ان أراهم جميعاً .. !!
قام إلى خزانة عمره فتحها . و أخرج منها حقيبة خبأ فيها ذكريات السنين قبلها . شعر بألم يغلف صوته . رأى صوراً .. و رسائل.. و دفاتر.. احتفظ بها فهي أرشيف أعماله كصحفي رياضي ..
قلب صفحات دفاتره و تذكر حبيبته قال لنفسه :
ـ كانت صديقتي تعتني بهذه الدفاتر و تحمل ما أكتبه في الصحف ثم تلصقه على صفحات دفاتري بدقة متناهية .
و بينما هو مع رحلة ذكرياته سمع صوتا لم يسمعه منذ زمن استرق السمع . إنه صوت بائع الزهور ينادي ..
ـ ( هدايا الحبايب يا زهور ) وقف على شرفة غرفته و نظر إليه :
ـ إنه صديقي بائع الزهور خرج إليه مسرعاً ، سلم عليه نظر للزهور و قال للبائع :
ـ صديقي . ما هذا الحضور الرائع لك و للزهور .. !!
رائحتها لا يماثلها عطر العالم . إنها تنادي لأن أشتري باقة بنفسج و أذهب بها لحبيبتي . إنها تحب الزهور .
بادره بائع الزهور :
ـ أستاذ نبيل أهلاً و سهلاً .. !! منذ زمن لم أرك لقد غبت كثيراً .. أين كنت ..؟
ـ كنت مسافراً خارج الوطن . و اليوم عدت .. و أردف قائلاً :
و أنت ما زلت تبيع الزهور .
ـ صديقي أبيع الزهور من أجل حبيبتي كان اسمها ( زهرة ) و كانت بالنسبة لي سيدة الصباح و الزهور . كنت ألتقي بها دائماً . عندما تسمع صوتي تسرع و تفتح باب منزلها و تستقبلني بابتسامتها الحلوة . و أهديها زهرة قرنفل أحمر . أنا أحببتها كثيراً و تعاهدنا ألا نفترق ، ذات يوم مشيت بعربتي بعد أن تحدثنا أمسكت العربة و شدتها إليها قالت بصوت تخنقه العبرات :
، لا ترحل . إني أخشى عليك النسيان و البعد .. أجبتها :
ـ أما زلت تتوهمين ما ليس له وجود ؟ فأنت مرتبطة بقلبي ارتباط القلب بالجسد . لن نفترق و لن نبتعد .
ـ أنا لا أتوهم أبداً . انا لا أعرف لك عنوانا. و لا مكانا و لا رقم هاتف .. !! ابتعد الحلم و الأمل .
مرت أيام و صورة وجهها لا تفارقني . قررت أن أذهب إليها مشيت بعربتي أنادي للزهور ، دخلت أزقة المدينة الضيقة و الحارات العتيقة حيث بيتها ، و أنا أنادي :
( هدايا الحب يا أحمر ) و أعني زهر القرنفل  .
لم أر أحدا.. و لا حتى إخوتها في الحارة .
تسمرت في مكاني . و تشابكت أفكاري مع زقزقة العصافير تعبر ازقة الشحوب . و الخوف من مجهول ينتظرني ، و تساءلت :
أين رحلت حبيبته زهرة القرنفل الأحمر .. !؟
في اليوم الثاني أرسلت والدتي لخطبتها .. فقالوا لها :
ـ لقد تزوجت منذ شهرين ..
كان الخبر صعباً جداً يا صديقي . كان رصاصة اخترقت أعماق قلبي و من يومها لم أعد أتردد لتلك الحارة أبداً و لن أترك بيع الزهور لربما التقيت بها يوماً في الشارع و أنا أجول بعربتي شوارع المدينة ..!!
قال له نبيل :
ـ صديقي الحب النقي الوفي لا يقف أمامه أي أحد . معك كل الحق و دعه و مشى .
أخذ باقة البنفسج . و قرر أن يذهب لحبيبته . اتصل بها بالهاتف لم تصدق ما رأت عيناها . اسمه و صورته . ظهرا على شاشة الهاتف . إنه نبيل . اتى من سفره منذ زمن لم تسمع صوته .
قال لها :
ـ حبيبتى ليلاً .. أنا قادم إليك .
خرجت لشرفة منزلها . نظرت للشارع . رأت سيارته تقترب وقفت أمام المرآة . منذ زمن لم يرها ماذا تفعل .. ؟ لتكون جميلة كما عهدها . أمعنت النظر ثانية بالمرآة .. الوجه و الشعر و اللباس .. أمعنت بالمرآة أهكذا ألقاه لا .. أهكذا سيراني بعد هذا الغياب ؟ عرفت ما تريد .
و بحس المرأة و قدرتها . و قوتها تغير كل شيء في لحظات .. مر الوقت سريعاً .. و طويلاً . سريعاً على استعدادها طويلاً على وصوله .
سمعت خطواته تقترب .. و نبضات قلبها ترتفع . و ما إن سمعت نقرات أصابعه على بابها .. حتى فتحت .
التقت عيناهما . و توقف الزمن للحظات تعادل العمر كله أفاقها من ذهولها باقة بنفسج انتصبت أمامها و بلهفة حبها و شوقها الساكن بأعماقها ضمت البنفسج و يده بكلتا يديها شعرت و هي تحتضن يده و البنفسج إنها ملكت الدنيا . قال لها :
ـ ليلى ..لقد عدت . و لن أغيب أبداً ..

المزيد...
آخر الأخبار