الدُرَر المضيئة في تأمّلات لؤي آدم قراءة نقدية انطباعيّة في كتاب: هكذا أرى أ.د. الياس خلف

  لؤي آدم باحث وروائي، ومتأمّلٌ يجيد التعبير عن الهموم الإنسانية بكلمات باذخة الجمال، وهو فنّان تشكيلي، يتقن الرسم بريشته المبدعة. إنه مبدع بارع بامتياز؛ فهو يغرف من روحه الرومانسيّة التي تحلّق في فضاء قيم الحياة المثاليّة من عدالة ووئام وجمال وسلام. بيد أنّني سألقي الأضواء النقديّة على تأمّلاته الفكريّة الموسومة بـ (هكذا أرى) التي تلخّص رؤاه العميقة في العلاقات الاجتماعيّة والحياة على نحوٍ عام.
تندرج هذه التأمّلات الفكريّة فيما يُعرف بـ (أدب الحكمة) الذي شاع منذ عهود قدامى الإغريقيين، بغرض غرس الموعظة الأخلاقيّة السامية، التي من شأنها إعلاء كلمة الحق التي تعيد الإنسانيّة إلى عصرها الذهبي، حين نَعِمَ بنو البشر بحياةٍ مثاليّةٍ لم تعرف الحقد والعداء.
يعمد أديبنا في مستهل زفرات روحه السامية إلى بناء قارئ يعي ما ترمي هذه التأمّلات الحكمية، فيتخيّر كلمات وعباراتٍ تفصح عمّا تنطوي عليه من معانٍ ودلالاتٍ وإيحاءات:
عندما تفقد لغة الكلام
جدواها
فالصمت خير لغة
لأبجديةٍ فقدت حروفها
ويمضي آدم قُدُماً فيؤكّد أنّ متلقّي تأمّلاته هذه قارئ يشعر بوقع الكلمات ومضموناتها، وبعيد كل البعد عن اللامبالاة والعبث:
الشكوى عن همّ
لمن لا يهتم
إضافة هم لهمومك
وفي ضوء رؤيته لفعل القراءة بوصفه تلقياً، وتفهّماً، وانطلاقاً نحو تحقيق رسالة الأدب، ندرك أن أديبنا يتوخّى رسم قارئ يوظّف مقدراته لكي يبلغ مرامي أدبه السامية:
لن أشكو
إلّا لمن هو
بمستوى آلامي
إذن، هذا هو قارئ أدب آدم، إنّه قارئ مرهف الأحاسيس، قارئ يشعر بجسامة آلام الأديب وجراحه:
وأعمقُ جرحٍ
ما كان بلا جسدٍ
تتعاظم آلام أديبنا حين يدرك أنّ الشرور قد استفحلت من حوله، وتفشّت في أوصال العلاقات الإنسانية برمّتها، فتضيق الحياة بوجهه ليبوح بآلامه هذه:
الكذب داء خبيث معدي
علينا مكافحته
ولو اضطررنا
لقطع
جميع الألسن الكاذبة
وفي هذا العالم الكئيب، غدت قيمة المرء في مظهره الخارجي بعد أن كانت في جوهره:
المجتمع السطحي
يقيّم المرء
من خلال لمعان أزراره
وليس من خلال
لمعان أفكاره
وأمّا فضيلة المروءة وإغاثة الملهوف فقد أخذت تتراجع وتتلاشى إثر تردّي الأواصر الاجتماعيّة وانتشار روح العداء والخيانة:
ما إن تمد يد العون لأحدٍ
حتّى ينقلب عدوّاً.. ما العمل؟
هل تمتن عن مساعدة الغير..
أم تتقبّل عداوات جديدة؟!
ويمضي أديبنا في تأّمّلاته العميقة هذه، فينعم النظر في هذه الرذائل، فيرى أنها وليدة الحماقة والابتعاد عن سلطان العقل:
الشر نشاط سلبي
خطره في فاعليته الناجحة
ولا ينفّذه – على الأغلب – سوى الحمقى
ولا شكّ في أنّ الحمقى (وأهل الكذب بصورة عامّة) هم الذين أسكتوا صوت العقل أو البصيرة، كما يؤكّد آدم:
الكذب سراج
يحمله
كفيف البصيرة
واستناداً إلى رؤيته للعقل بوصفه ملكة إنسانيّة ترسم السبيل الوحيد نحو إحقاق الحق والعيش بموجب مبادئه، يدعونا أديبنا إلى توظيف مقدراتنا الذهنية والانصياع إلى سلطان الحق، لكي نبلغ مرتبة الحياة الإنسانيّة الكريمة:
ما دمت إنساناً
ولي عقلٌ:
فالكون جسدي
والحق روحي
تؤدّي ثنائيّة “الجسد” و”الروح” وظيفة فنية مهمة لأنها تشير إلى تكامليّة الحياة الإنسانية مظهراً وجوهراً، وعليه يمكننا التأكيد أنّ روح المرء الممتلئة بالإحساس بالحق والعدل ترعى الجسد وتصونه وتبعده عن المفاسد والموبقات؛ فالحياة الإنسانيّة الفاضلة تقوم على سلطان العقل وهديه:
عندما يسقي العقل
بذور الأفكار
يورق الكون
تشير الصور المستمدّة من المعجم النباتي (يسقي، بذور، يورق) إلى فكرة سيدنا المسيح (عليه السلام) الذي أكّد أنّ جلّ اهتمامه يكمن في غرس المبادئ الدينية والأخلاقية في نفوس البشر.. وعلى ضوء فكرة غرس الفضيلة في نفوس البشر، يمضي أديبنا فيقول:
لو أننا
ننشر المحبّة
بين العقول والقلوب
كانتشار
المعاني بين الحروف
لأزهرت الورود
فوق الخدود
تعكس الصورة الربيعية (لأزهرت الورود/ فوق الخدود) اهتمام أديبنا برسالة الأدب الجليلة؛ فأديبنا يبذر المحبّة والفضيلة في النفوس، على غرار سيدنا المسيح عليه السلام، لتحلّ محل الضغينة والرذيلة، وما ربط مهمة الأديب الإصلاحية بعملية إنتاج المعنى المتوخّى من الكلمات (كانتشار/ المعاني بين الحروف) إلا فعل ميتا لغوي، لأنه يشير إلى عملية الكتابة بوصفها فعلاً تواصلياً ذا أثر في نفوس متلقيها، فالكلمة الطيبة تنبت في النفس الطيبة وترتسم وروداً مزهرة فوق الخدود.

بطاقة تعريف: لؤي آدم
• باحث، وروائي، وسيناريست، وفنّان تشكيلي.
• مؤسّس الفن الافتراضي النفسي.
• مدرّب برمجة لغويّة عصبيّة NLP ومدرّب تنمية بشريّة.
• عضو اتحاد الفنّانين التشكيليين السوريين.
• عضو اتحاد الصحفيين السوريين.
• مؤسّس جمعيّة تنوير لثقافة الحوار.
• رئيس مجلس إدارة جمعية تنوير لثقافة الحوار.
• مؤسّس جوائز التنوير في سورية:
أ – جائزة محمد الماغوط للرواية والقصّة والمسرحيّة.
ب – جائزة إبراهيم فاضل للبحوث والدراسات الفلسفيّة والأدبيّة والفنيّة.
ج – جائزة المتنبّي للشعر القديم والشعر الحديث.
د – جائزة إخوان الصفاء للبحوث والدراسات الفكريّة والتاريخيّة والعلميّة والاختراع.
• له أكثر من 60 مؤلفاً في مجال الإبداع الفكري، والفلسفي، والبحث العلمي، والدراسات الأدبيّة والتشكيليّة، وفي مجال الإبداع الأدبي (الرواية. القصّة. المسرحيّة. التأمّلات).
• له العديد من السيناريوهات السينمائية والتلفزيونية.
• حائز على جائزة اتحاد الكتاب العرب في البحث الأدبي، والجائزة الأولى في مسابقة القصّة.
• أقام العديد من الجلسات الحوارية، والمحاضرات، والأمسيات الأدبية، والمعارض التشكيلية.
• مسؤول المحاضرات في المجلس المحلي لمدينة سلمية.
• مؤسّس ومدرّب فريق إعداد البرامج في المجلس المحلي لسلمية.
• مؤسّس برنامج المحاضرات الحوارية في المجلس المحلي لسلمية.
• مؤسّس ومدير جلسات النخبة في المجلس المحلّي لسلمية.
• مُنح شهادات تقدير في مجال الابداع الأدبي والتشكيلي والبحث والتدريب..

المزيد...
آخر الأخبار