أعلام الدكتور وجيه البارودي…سيّد العشاق…

لم يخطر ببالي وأنا في العشرين من عمري بأنني سأكون في حضرة الطبيب الشاعر وجيه البارودي ، من خلال أمسية شعريّة ،أو من خلال لقاء مباشر ، كان ذلك صعباً في تلك الفترة ، لم يُتح لي هذا اللقاء إلا في صيف عام 1983 حيث كنت أؤدي معسكرا”للتدريب الجامعي في حمص ،وكان من المفروض أن يكون في دمشق بحكم الدراسة…لكن لقرب المسافة واعتدال الطقس نقلت هذا المعسكر ومن بعده كلّ معسكراتي الصيفية إلى حمص …
أكثر ما يميز هذه المعسكرات الفترة المسائية حيث تتضمن يوميا” محاضرات فكرية ، ولقاءات وندوات وأمسيات شعرية و…
في إحدى الأمسيات تم إستضافة الشاعر الكبير الطبيب وجيه البارودي ،وهذه هي المرة الأولى التي أشاهده..او استمع إليه، وكنت قد قرات له في حينها العديد من القصائد وسمعت عن طرافته وظرافته الشيء الكثير سواء عن طريق الصحف، أم من خلال احاديث الناس التي كانت تتردد على عيادته وجلّهم من الأرياف والقرى البعيدة حيث وجدوا فيه ملاذاً يستطبون به ويُشفون على يديه ….وقد ذاع صيته بين الناس كطبيب اكثر من كونه شاعراً ينظم القصائد في الغزل والحب والجمال ..
في تلك الفترة كنت في بداية طريقي الأدبي وكنت تواقاً لسماع البارودي وهو يلقي اشعاره بخفة ٍ وظرافة ….كانت أمسية رائعة، حافلة بالغزل والطرافة والفخر والوصف والاعتزاز بالنفس و…كان تجاوب وتفاعل الطلبة مميزا”،لافتاً، من خلال موجات غير منتهية من التصفيق..
كانت سعادتي كبيرة وانا أستمع إليه بتمعن ،وأحاول تسجيل بعض الأبيات التي يلقيها رغم صعوبة ذلك
يقول عن حماة ..
( في حماة مقيم لا أغادرها
شاطىء البحر عندي ضفة النهر
فيها النواعيروالعاصي وشاعرها
ميزتنا حكمة القدر )
لقد افرد الشاعر الكثير من شعره لمدينته حماة التي ولد فيها وعاش ، حتى رحيله عام 1996، تغنّى بالعاصي والنواعير فكانت لازمة لا يمكنه الاستغناء عنها في معظم قصائده واشعاره.
كان البارودي شاعراً من طراز فريد، يعتز بنفسه، ويثق بقدراته، يفخر بانتمائه لهذه المدينة العريقة التي وهبها قلبه وشعره، يعتز بما انجزه وقدّمه على الصعيد المهني -الطب – والادبي -الشعر -لذلك نراه دائماً شغوفاً بشعره ،وادبه في كل محفل حلّ به ….
( أنا حي بمنجزات نضالي
وبشعري الذي يظل طريا
وبطبي وخبرتي وحبي
سوف أبقى مخلدا”أبديا)
عاش البارودي عاشقا” محبا” للجمال…ظل يتمتع بروح الشباب والدعابة لا تفارقه،كان ظريفاً، مرحاً، وهذا ساعد بشكل او بآخر على شفاء مرضاه والتخفيف من معاناتهم والآمهم ،وهو الذي مارس الطب لأكثر من ستين عاماً منذ تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1932
( يعجب الناس كيف يهوى مسنّ
في الثمانين قوّس الدهر ظهره
خَـبرَ الحــبّ يافعـاً ثمّ كـهــلاً
ثمَ شيخاً فازداد عزماً و خبْره
وهو أصبى فتـوّةً في الثمـانين
وأدهـى مـن المـراهـق شـرَه )..
تميز شعره بجمالية الصورة وعذوبة اللفظة ،وكان معجباً أيّما إعجاب بشعره وبنفسه ،يردده وينشده ويغنّيه في مناسبات عديدة …وشعر البارودي صورة لشخصه ومواقفه وتفرده وشاعريته التي ظهرت في سن مبكّرة من حياته….
«أغنّي الشّعرَ ألحاناً عِذابا
يرى العشّاق فيها روح فنّي
وصورّت ُالحياة بكلّ لون ٍ
بطابعها ولم ألحن بلحن ِ »
بقي ان نقول ان الشاعر وجيه البارودي، كتب اول مقطوعة شعريّة عام 1926 واول ديوان اصدره جاء بعنوان « بيني وبين الغواني »عام 1949 إلا أن ديوانه «سيد العشاق » كان الاكثر شهرة بين دواوينه كافة.
*حبيب الإبراهيم

المزيد...
آخر الأخبار