اسماء في الذاكرة القاص عبد الرزاق إبراهيم…تجربة إبداعيّة غنيّة

في منتصف الثمانينيات قرات زاوية نقدية لاذعة في صحيفة البعث ،بعنوان « ازمة الفكر والبرد في رياح كانون » للقاص عبدالرزاق إبراهيم -مصياف ،كان أسلوبه ممتعاً ً….شيّقاً …. يمتلك حسّاً نقديّاً متفرداً ….
لأبدأ رحلة البحث عن هذا الكاتب المميز بأسلوب نقدي فريد ،وبعد طول عناء التقيت القاص والأديب عبد الرزاق إبراهيم، كان يعمل موظفاً في مجلس مدينة مصياف،  في غرفة تضم عدّة مكاتب،  وعلى كأس من الزعتر البري تعرفت على موهبة وإبداع هذا الكاتب الذي لم يحالفه الحظ في الظهور والانتشار كما يجب …. 
كان يستمد من النافذة المطلّة على جبال مصياف، حيث سنديانها وتينها وزيتونها، الكثير من الصور والأحداث والشخصيات التي ضمّنها قصصه وروايته الوحيدة «القطط المخبريّة » والتي صدرت عام 1987
 كنا نتحاور ونتناقش في الكثير من قضايا الثقافة والأدب والإبداع، والنشر وهمومه ….
 كانت باكورة هذا اللقاء حوار أدبي مطوّل نُشر في صحيفة الفداء – في حينها – تميز بالوضوح والصراحة، أهداني الراحل روايته الأولى وهي بعنوان «القطط المخبرية »  وقد نشرتُ عنها في صحيفة الفداء قراءة نقديّة تحليلية، وتواصلت اللقاءات فيما بيننا، وقدّم لي عام 1995 مجموعته  « مزمار الحي » وقد كتب في الإهداء « إلى الأديب الحبيب حبيب الإبراهيم أقدّم هذه العلاقات المجتمعيّة السائدة، مع مودتي، عبد الرزاق في 1995/1/26 »  وفيما بعد مجموعته
«أي معنى لمجيء هابيل ؟ » وهي باكورة أعماله الأدبية عام 1980
وقد سلطت  الضوء على مجموعة «مزمار الحي » في الصفحة الثقافية في الفداء بعنوان: «عبدالزاق إبراهيم في مزمار الحي الذي يُطرب »
تميّز الأديب الراحل بهدوئه ونظرته الثاقبة للحياة، قصصه نابضة بالحركة، شخوصه متمردة ،لغة سرديّة جميلة عابقة بالصور تقترب من حواف الشعر، أبطال قصصه ليسوا عاديين، لا يلتزمون الصمت ، يطلّون من كل الاتجاهات، وكأنهم يعيشون بيننا، لهم الأسماء نفسها، و الحركات ذاتها، في قصصه نجد الكثير من المتناقضات في آنٍ معاً، الأبيض والأسود، الحزن والفرح، أنسنة الأشياء وتشيّؤ الإنسان و….. وبالرغم من كل هدوئه وكياسته ،كان حاداً في مواقفه من مسائل وقضايا عديدة في النقد والإبداع، الإعلام، الشللية التي كانت تطغى أحياناً في مسألة النشر والثقافة، كان الراحل منكفئاً على نفسه، لا يحب الظهور والأضواء، كان بعيداً عن الإعلام والمشاركات الثقافية إلا ما ندر،وربما له ظروفه وتبريراته ، إذ قليلا ً ما نراه في أمسية أدبية أو نشاط ثقافي، حتى أنه ابتعد عن النشر واكتفى بإصدار مجموعتيه القصصيتين ورواية يتيمة  ، استقى الأديب الراحل من مدينته  مصياف جمال طبيعتها وعفوية وطيبة أهلها لتنعكس صوراً فنيّة بالغة الروعة والجمال في قصصه وأسلوبه وسرده المميز، لغته بسيطة بعيدة عن التعقيد، يوظف الرموز سواء الأمثال أو التراث بفنيّة عالية حتى يخال لك وانت تقرأ قصصه بأنك قد عشت أحداثها من  قبل …
تميز عبد الرزاق إبراهيم بروح ساخرة، وأسلوب ناقد لكل الظواهر السلبية في المجتمع، كان لاذعاً في نقده، فناناً في صوره، وفيّاً لادبه الذي اراد من خلاله ان يغيّر ويبدّل القبح والظلم بالجمال والعدل والتسامح …
ركّز الكاتب في قصصه على العناوين متكئاً على المثل الشعبي الذي يقول «المكتوب يُقرأ من عنوانه » فنراه يوظف هذه الخاصية لجذب القارىء كما في عنوان:  القطط المخبرية – مزمار الحي -اي معنى لمجيء هابيل. 
في العقدين الأخيرين لم اعد أسمع عن الأديب الراحل أي نشاط أو اخبار، لقد أخذتنا الحياة بزحمتها، ابعدتنا عن الكثيرين الذين أثروا وتركوا بصمات لا يمكن ان تُمحى من الذاكرة …
في  2019/7/7  رحل الاديب القاص عبد الرزاق إبراهيم. عن عمر يناهز /74/ عاماً تاركاً رواية وحيدة ومجموعتين قصصيتين ومشاريع عديدة لأعمال أدبية لم يكملها، عاش ورحل  بعيداً عن الأضواء ،قدم خلاصة تجربته الأدبية بكثير من المحبة والعطاء ..
*حبيب الإبراهيم 
المزيد...
آخر الأخبار