يشكّل التراث بالنسبة للأمم والشعوب ذاكرتها وهويتها التي لا تشيخ أبداً ،فهو احد أهم الأبعاد الحضاريّة التي تتقاطع وتتماهى مع غيرها من حضارات العالم.
قد يرى البعض أن التراث يرتبط بشكل وثيق بالماضي، لكنّه في الحقيقة ذاكرة وهويّة، ذاكرة جمعيّة تعيدُ إنتاج المعرفة، وهويّة تحددُ ملامح المجتمع وبنيته الثقافية والفكرية.
وتأتي الأهمية الكبرى للتراث من
دوره الهام والرئيس فى تشكيل وتغذية وتفعيل الوجدان والوعى الجمعى ،ومدّه بالقيم والمبادئ والأفكار، وصولاً إلى تشكيل الوعى العام، واليوم فى ظل العولمة وثورة الاتصالات والتواصل الاجتماعى، وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة أصبحت المجتمعات بحاجة ماسة للحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية وفى حاجة إلى التشبث بالنقاط المضيئة من التراث والتمسك بها والإضاءة عليها وجعلها في متناول الأجيال المتعاقبة، إذ لا وجود لأمة أو مجتمع إلا من خلال تمسكه بالقيم والمبادىء الثقافية والوطنية ، والتي تعطي لهذه المجتمعات صفة الحيوية المتجددة وصولاً إلى الديمومة والبقاء ….
والتراث بشقّيه المعنوي والمادي يشكّلُ نقطة الارتكاز في أي عملية تطوير وبناء، وإعادة إنتاج الثقافة والمعرفة وصولاً إلى ترسيخ الهوية الوطنية.
فالمجتمعات اليوم مهدّدة بذوبان الهوية الوطنية ببعدها الثقافي والحضاري من خلال العولمة والغزو الثقافي عبر طرائق وأساليب تقنية حديثة هدفها وغايتها ضرب البنية المعرفية للمجتمع، وضياع هويته الوطنية وبالتالي فقدان قيمه ومبادئه التي تشكل المنظومة الفكرية والأخلاقية لهذا المجتمع او ذاك، وهذا ما تعمل لتحقيقه الدول التي تهيمن على مراكز البحث ودوائر الإعلام في الغرب من خلال الهيمنة والسيطرة على القرار الوطني المستقل للكثير من الدول النامية التي تعمل على صون هويتها الوطنية من خلال الحفاظ على تراثها الثقافي والمعرفي والذي يشكل بالنسبة لهذه المجتمعات الوجود والروح النابضة بالحياة .
وازاء ما تتعرض له المجتمعات في ظل تفجر المعرفة وتعدد قنواتها لا بد من خطوات متسارعة لحفظ تراثها وصونه من الضياع او التشويه المتعمد وخاصة الجزء الذي يتناقل شفاهاً من جيل إلى آخر وهذا الدور منوط بمؤسسات ثقافية وإعلامية وتربوية يجب ان تعمل جاهدة لتوثيق هذا التراث والحفاظ عليه وصونه من الضياع لأنه يشكل الذاكرة التي لا تشيخ ابداً والهوية التي تعطي لهذه المجتمعات حيوية دائمة.
*حبيب الإبراهيم