الفداء – فيصل المحمد
تتميز منطقة الغاب بتنوعها الجغرافي وتضاريسها المتعددة، وتشكل بيئة مناسبة لتربية النحل كمصدر رزق لآلاف العائلات في قلب الريف السوري. فالطبيعة الغنية، من الجبال الغربية ذات الغطاء النباتي الكثيف، إلى المراعي في الجبال الشرقية والنباتات الشوكية مثل القبار والجيجان والأشواك المختلفة، بالإضافة لزراعات النباتات الرحيقية كاليانسون وحبة البركة والكزبرة، والمحاصيل الصيفية كالقطن والسمسم ودوار الشمس، تشكل مقومات مثالية لمناحل مستقرة ومنتجة.
أوضح مدير دائرة النحل في هيئة تطوير الغاب، الدكتور كنان ساعود، في تصريح خاص للفداء، أن عدد خلايا النحل في الغاب بلغ 42,850 خلية وفق إحصائية عام 2024، إلا أن هذا العدد تراجع إلى 32,288 خلية وفق إحصائية استقصائية تم إجراؤها خلال شهر حزيران 2025، أي قبل موجات الحر، ما يشير إلى فقدان نحو 25% من إجمالي الخلايا. وقد يكون الانخفاض الفعلي أكثر من ذلك نتيجة موجات الحر الشديد بعد الإحصاء.
وبلغ عدد مربي النحل في منطقة الغاب حوالي 1188 مربياً، يتوزعون في مجال إشراف الهيئة. وتتركز النسبة الأكبر من النحالين في شطحة وعين الكروم، بسبب طبيعتها الجغرافية المناسبة، بالإضافة إلى نزوح عدد كبير من السكان عن مناطقهم الأصلية بسبب الحرب أو آثار استخدام المبيدات الضارة للنحل في المناطق الشمالية والشرقية ومناطق الزراعة الصيفية من الغاب.
التحديات التي تواجه تربية النحل
أكد ساعود أن أبرز التحديات التي تواجه تربية النحل تتمثل في:
1 ضعف الدعم المادي للمربين.
2 شح المراعي وصعوبة التنقل بينها نتيجة الجفاف والحرائق.
3 تغير النمط الزراعي وعزوف المزارعين عن زراعة محاصيل مهمة للنحل كالقطن والسمسم ودوار الشمس.
4 الاستعمال العشوائي للمبيدات الضارة، مما يتسبب بفقد عدد كبير من خلايا النحل خلال فترات الزراعات الصيفية والخضراوات المختلفة.
5 غياب الجمعيات المتخصصة بتربية النحل.
6 عدم استخدام التقنيات الحديثة، وعدم استثمار منتجات النحل الأخرى مثل سم النحل، شمع النحل، غبار الطلع، العكبر، والغذاء الملكي.
7 انتشار أصناف من العسل المغشوش رديء النوعية ومنخفض السعر في الأسواق.
ولفت ساعود إلى أن الإنتاج هذا الموسم ضعيف وشبه مفقود. فالجفاف أدى إلى تراجع حاد في إنتاج العسل، حيث بلغ إنتاج بعض الخلايا الحديثة 2 – 5 كغ فقط، بينما انعدم الإنتاج في الخلايا البلدية. وبسبب الجفاف، خرجت مساحات واسعة من المراعي من الخدمة، ولم تُزرع المحاصيل الصيفية المفيدة للنحل، مما اضطر المربين إلى استخدام التغذية السكرية كحل إسعافي.
خطوات الهيئة في مواجهة الأزمة
في مواجهة هذه الظروف، قال ساعود إن هيئة تطوير الغاب تعمل على عدة محاور، أبرزها:
1 المتابعة الدورية للمناحل للوقوف على الحالة الصحية للنحل.
2 تنفيذ إحصائية استقصائية لحصر الأضرار الناتجة عن الجفاف والحرائق.
3 تنفيذ ندوات حقلية حول أهم الآفات التي تصيب النحل وطرق مكافحتها.
4 التجهيز لإقامة دورة تدريبية للفنيين العاملين في الهيئة حول تربية النحل، لنقل الخبرات إلى مختلف أقسام الهيئة.
وفي هذا السياق، شرح مدير دائرة النحل الخطط المستقبلية للنهوض بواقع تربية النحل، ومن أهمها:
1 إعادة تأهيل مركز النحل التابع للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب.
2 تأسيس منحل خاص بالهيئة لهدفين:
3 تدريبي: لتعليم النحالين على التقنيات الحديثة في تربية النحل.
4 إنتاجي: لرفد الهيئة بمنتجات خلية النحل ذات الجودة العالية، وتأمين طرود نحل سليمة للمربين.
5 تنفيذ دورات تدريبية للنحالين والفنيين حول الأساليب الحديثة في التربية.
6 المتابعة الدورية للحالة الصحية للنحل عند المربين، ورصد آثار الجفاف على المناحل.
7 التنسيق مع المزارعين والمديريات المختلفة للحد من استخدام المبيدات الضارة للنحل.
8 تشجيع زراعة النباتات الرحيقية كحبة البركة واليانسون والكزبرة، وإعادة زراعة القطن ودوار الشمس والسمسم ضمن الخطة الزراعية السنوية للمزارعين في الغاب.
9 السعي مع الجهات المعنية بتربية النحل لتأسيس جمعية متخصصة بالنحالين في منطقة الغاب، تضم النحالين وتدافع عن حقوقهم، أسوة بالجمعيات الفلاحية والمهنية الأخرى.
ويواجه مربو النحل في الغاب ظروفاً صعبة، لكن الدعم الفني والمادي من الجهات المختصة بتمويل المشاريع والمنظمات المهتمة بتربية النحل، إضافة إلى عودة المهجرين، قد يُسهم في إنعاش هذا القطاع الحيوي، الذي لا يُعد مجرد نشاط زراعي إنتاجي، بل يلعب دوراً بيئياً يتعدى المحاصيل الزراعية، إلى الحفاظ على التنوع الحيوي للنباتات والمراعي، وتحقيق التوازن البيئي.