في سن مبكرة ارتبطتُ بوالدتي ارتباطاً وثيقاً ، كنت أشعر بها ..بتعبها ..بفقرها ..بحزنها …بفرحها …..أشعر أنّها تحمل الكون على كتفيها، لا تتعب، لا تكلّ ولا تمل …تمضي سحابة يومها في عمل متواصل، عجن، خبز على التنور ،جمع الحطب، اعمال لا تنتهي … بدات في سن مبكرة بمساعدتها في أعمال البيت ..في الحقل والبيدر، لا يوجد لدينا أخوات كبيرات ..فرحت أقوم بكل أعمال المنزل إلى جانبها …بيوت طينية كنت أرشها بالماء وأكنسها …أجمع الأغطية والفرش ،اساعدها في حليب الأغنام … في الحصاد وجمع الغمار وأعمال البيدر، ..كانوا ينادونها ( أم حبيب ) بالرغم من أن أخي محمد يكبرني بعامين …يسألونها لماذا يقولون لك أم حبيب وليس أم محمد ؟
تحكي لهم القصة بأن أول ولد أسمه حبيب توفي صغيراً ..سمينا الولد الثاني محمد وبقي الناس ينادونني أم حبيب …
كنت أقرأ في تقاسيم وجهها الطهر والعفة، البراءة ، الطيبة ،التسامح، المحبة….
كنت إلى جانبها منذ الصغر حتى رحلت عن دنيانا قبل ثلاثة عشرة عاما ً…
لا يغمض لها جفن حتى تتطمئن بأني عدت للمنزل حتى ولو في ساعة متأخرة ..
..رغم كل التعب والشقاء والقلّة كانت تُشعرنا بأنها لا تتتعب …لا تتأفف، لا تحزن …. كانت تمنحنا الفرح رغم حزنها وتعبها و…
كانت رمزاً للطيبة والمحبة والحنان ..من كفيها الخشنتين نتلمس الدفء ..ومن عينيها العامرتين حباً وعطاءً نستمد استمرارية البذل والعطاء ..
أمي ..كنت ملاكاً ..نبعاً صافياً …رمزاً للبذل والتضحية والعطاء
من قيمك النبيلة استمدينا كل الجّمال والبهاء الإنساني ..
كل الايام لك عيد، كل الايام يليق بك الإحتفاء، الإحتفاء بعظمة عطائك وصبرك، وفيض حبك …
أمي …ست الحبايب …
ستبقين ذكرى خالدة في حياتنا …في ارواحنا …في عقولنا وقلوبنا وأفئدتنا ….
أُمي …….لروحك الطاهرة المجد والسلام…
حبيب الابراهيم