▪الدكتور سعد الدين كليب
كم من كلمة كانت أشبه بالسحر حين حطّت على أسماعنا، أو اهتزّت بها أوتارنا، أو همستْ بنا خلسةً: هيت لك. ما أجملك ! وكم من كلمة أحيتْ فينا رميماً كنا بكيناه حتى انطفأنا وانطفأت آمالنا فيه وأشواقنا إليه، وإذ به حيّاً رضيّاً كأن ما بكينا ولا انطفأنا؛ وكم من كلمة شغفنا بها وانتعشنا باللطافة تسيل من حروفها، فرُحْنا نلهج بها في السرّ والعلن، وما ندري أهي كلمة حقاً أم نغمٌ ينثال فينا بشراً سويّاً؛ وكم أرقصتنا كلمة، وآنستنا كلمة، وألهمتنا كلمة، وكم دوّختنا الكلمات !
كلمات هي الأشياء حاضرةً وغائبةً، مشخّصةً ومجرّدةً، كلمات هي المعاني وقد صار لها صوتٌ وصورةٌ، وعاطفةٌ وإحساسٌ، كلمات نتعلّم بها كيف نتواصل ونتفاهم، وكيف نشعر ونتأمّل ونفكّر، وكيف نعمل ونصلّي، وننشد ونغنّي. كلمات نتعلّم بها كيف نستمتع. بل كلمات بها نستمتع.
فهل من الغرابة أن نقول: إنّ لغتنا هي المشيمة التي نتغذى بها ونعتاش عليها في وعي العالم وفي الاستمتاع به، وفي صياغته وفق تصوراتنا الكلية والجزئية، وفيما نحبّ ونكره، ونفرح ونأسى؛ إنها المشيمة التي تغلّفنا وتغلّف العالم الذي نعيشه والذي نحلم به أيضاً.
* من ” كلمات الجمال” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق.