ـ المرحوم عبد المعين الملوحي .. مازال بيننا ذكرى متوهجة في ضمير المثقفين و الباحثين العرب في إنتاجه الإبداعي و البحثي ..
ـ عبد المعين الملوحي .. أنت إن رحلت جسداً فإنك مازلت منارة أدبية تنير مكتبتنا .. الثقافية و لتبق كتاباً ثقافياً بكل أجناسه الأدبية مفتوحاً لكل الأجيال .
تقديم : رامية الملوحي
هكذا رأيت .. عبد المعين الملوحي
هكذا رأيت .. عبد المعين الملوحي ..كتاب قيّم للأديب الأستاذ يوسف بلال وقدمه المفكر الأديب / . د. تيزيني / فكان خاتمة إبداعه ونتاجه الأدبي ، لإن الموت احتضنه والدنيا أسدلت ستارها عليه بعد إن أنهى كتابه . وقبل أن يرى كتابه النور رحل يوسف بلال تاركاً بحثه القيم عن الأستاذ عبد المعين الملوحي بين يدي المفكر العربي الأديب / د. طيب تيزيني / لتقديمه ، فقام الأستاذ عبد المعين بطبعه .
المؤلف ممتع وشيق وكلما أوغل القارئ في قراءته كلما دفعته الرغبة لإن يقرأ المزيد ويعب من معينه أكثر ، المؤلف يتحدث عن ذاتية الأستاذ الأديب عبد المعين بكل تفاصيلها .
كتب يقول :
عرفت الأستاذ الأديب عبد المعين الملوحي قبل أربع سنوات وكنت على موعد معه في بيته بدمشق عندما استضافني في مكتبته العامرة بالكتب والمؤلفات وأول مالفت انتباهي ثمة أقوال معلقة في زوايا المكتبة لكل من طاغور ، وغاندي وصور للرئيس جمال عبد الناصر ..
جلس إلى جانبي وهو يبتسم إبتسامته الخضراء وقد بدا لي نبع يفيض ثقافة وعلماً فهو مرآة عصره ، ومرآة ما يقترب من القرن قال لي :
ـ أريدك أن تكتب ففي قلبك ماتزال الخضرة وفي روحك قبس وفي الوعي حرارة نبض إنساني . قالها .. وقد نّدعن محياه طفولة لاتزال ، وأظنها ستبقى حتى آخر دفقة من قلبه . سوف أتحدث إليك ، وها أنذا أبدأ من شحيح الذكريات .
تصفحت كتاب الأديب يوسف بلال مراراً لقد وضع الأديب الراحل بين يدي القارئ شخصية الأديب عبد المعين بكل مراحلها ثمانية عقود كبرى وأكثر في التاريخ الحديث وما امتد عنه ، أسهم الملوحي نفسه في التأثير فيما يتعلق بحمص ، وحماة ..
واللاذقية ،ودمشق . ناهيك مما أنجزه من تثاقف مع مثقفين ، صينين ـ وفيتنامين وغيرهم . المؤلف يتضمن عشرة فصول ومئة وأربعون صفحة من القطع المتوسط يضمهم غلاف جميل . توقفت عند الشعر .. خمس مجموعات شعرية للأديب الشاعر عبد المعين الملوحي ..
قصيدتان .. حب وحرب .. قصيدة في ديوان من وحي الصين أرجوزة الأحفاد قصر يلدز .
لكني سوف أقتطف بعض الورود من حدائق بهيرة … الزمن 2/ 8 /1947
بهيرة زوجة الشاعر وعروسه ، وأم ابنته حزامى . توفيت بعد عام من زواجها بعد إن أنجبت له ابنته خزامى . وقد رثاها الشاعر بقصيدة كانت خالدة في شعر الرثاء فجر فيها الشاعر احتقانه وغضبه الحاد وقال :
عندما أقرأ قصيدة بهيرة أحس أني أمام جسد ضخم من الطغيان كلّي القدرة يباشر القتل لإنه يرى فيه لذة ومتعة ..
ـ إني أكره الطغيان من أين جاء .. فكيف إذا جاء يقضي على حياة إنسانة لم تفعل شرأ ثم تنأى .. فالنبدأ مع بهيرة ..
مافي القبور سوى التراب ، سوى الظلام ، سوى الصخور .
والبعث بعد الموت ـ ومازال ـ من الغرور .
وفجأة تظهر بهيرة ، وهي تضع يدها الرقيقة على فمه واجفة راجية أن يكفكف غضبه ويتوب إلى ماهو عليه من إيمان هادئ مستريحاً ، فيزمي يدها عنه متدفقاً .
لا تطلبي الإيمان مني ، إنه ولى وراحا
قتلته كارثتي ، وكان مكابداً أمس الجراح
لم يبق إلا أن ترفع يدها ضارعة إلى السماء علها تهدئ من غضب حبيبها الضال لكنه يصرخ في وجهها لاشيء هناك .. لا لا شيء إلا الفراغ الذي عبأه ضعفكِ وضعف غيركِ كّي يستمد منه واهماً القوة .
صمتُ الفراغ يلفها ، فاشرب على نغم الفراغ
واعجب فكم خطو لها كتباً وصاغوا من بلاغ
وتلوذ بهيرة في قبرها متوارية بعد أن تعالى يملأ الفراغ ، ليقذف الحمم على ضعفها بل على الضيف البشري الذي لا يستحق منه إلا الأحتقار.
موتي : فإني خالدٌ ، هل يعرف الموت الخلودا..
سأميت في قلبي الهوى وأعيش في السلوى وحيدا
موتي : فمالك في فؤادي غير جرح سوف يشفى
المارد الجبار ، لا بأس لميت مات ضعفا…
وهنا يعترف الشاعر بضعفه وبجنونه الذي دفعه دون أن يدري إلى هذا الشعور الكفور فقال :
أيهيرتي .. هذا الجنون ، فعفو قلبك عن جنوني
لم أستطع فهماً لموتك يابهيرة !! فاعذريني
وهاهو يتحسر على حبها الذي كان قد حرر قلبه وعقله ، وعن أخلاقها وذكائها ورقيق مشاعرها ، إنها تشع صبا وجمال ..
لهفي على العشرين يحفر قبرها زوج جريح فتاته كالورد…. لو يستطع قداها الضريح
ينقلنا الشاعر بقلمه الحزين وقلبه الجريح إلى عاطفة أشد إيلاماً وعتاباً ذلك لإنه كان يأمل أن تكون أماً رؤوماً لأحلامه وعرشاً يشعشع بحبه فإذا بها تقتل الأحلام ، وبذلك العرش نعشاً في ظلمات الرغام ..
قد صار عرش الحب .. منذ الليلة العذراء نعشا
واليوم قد أكل التراب كليهما : نعشاً وعرشا….
ومن العتاب إلى حالة من هذيان الحمى أنهما لا يزالان في ( إهدن ) يعبان المسرات العذاب لكن سرعان ماينكشف الوعي اشكالاً وألواناً من حضيض البؤس
قال لها :
وهم أريد له البقاء ـ ولا إبقاء ـ لكي أعيشه
أحييه في قلبي فيصح ـ في مهب الريح ـ ريشه
ويردني هول الممات ، إلى الحياة ، إلى الحضيض
ألوان حمىّ هازئات بالطبيب وبالمريض
وتتناهى للشاعر صرخة شعبه فيقوم من موته ويأسه للعمل على إيقاظه بل بعثه خالداً ..
أبهيرتي .. إني لأستمع صرخة في أرض شعبي
أنا واجد في بعثه سلواي بعد ممات حبي
تلك القصيدة التي أصابت شهرة واسعة إلى درجة أن صاحبها كثيراً ما تكن (صاحب بهيرة ) لذلك نرى أن النص الماثل في أيدينا سيرة ذاتية لكلا الرجلين (يوسف بلال ) الأديب الباحث و الأديب الأستاذ (عبد المعين الملوحي) .
فليبق يوسف بلال ذكرى متوهجة في ضمير المثقفين الباحثين العرب وليبق عبد المعين الملوحي في إنتاجه الإبداعي والبحثي تياراً متدفقاً يلهم المثقفين والباحثين العرب والآخرين ويغني آفاقهم وسيبقى الملوحي موضوع بحث مفتوحاً لسنين عديدة لاحقة أمام الباحثين المثقفين والمؤرخين والموثقين وقبل كل ذلك المبدعين .
ـ عبد المعين الملوحي في سطور ..
أديب عربي ولد في حمص عام ( 1917 ) نشأ في بيئة دينية ، درس الابتدائية و الثانوية في حمص حصل على الثانوية العامة في دمشق عام ( 1936 ) والتحق بدار المعلمين العليا ( 1943 ) ثم سافر إلى القاهرة و حصل على إجازة في الأدب العربي من الجامعة المصرية عام ( 1945 ) عمل مدرساَ للغة العربية بمختلف المحافظات السورية ثم عمل في وزارة الثقافة من عام ( 1961 حتى عام 1970 ) ثم عمل مستشاراَ ثقافياً للقصر الجمهوري حتى أحيل على التقاعد عام ( 1976 ) سافر إلى الصين ونال لقب أستاذ شرف في جامعة بكين و في عام ( 1978 ) اضطر للعودة إلى دمشق بسبب مرض ألم به هناك وتفرغ للتأليف ونشر مخطوطاته .
رحل عنا الأديب المفكر في 21/3/2006 تاركاَ مكتبة تزخر بمئات الكتب من تأليفه بين ترجمة وتحقيق ودراسات أدبية عالمية و دواوين شعر وقصص . تعتبر مكتبة الأديب الراحل متحفاَ ثقافياَ و أدبياَ يرتاده رواد البحث و الفكر على مر العصور .
اعداد : *رامية الملوحي*