عن الحب

حين تنتهي من قراءة كتاب وتبدأ قبل الصفحات اﻷخيرة تبحث عن كتاب جديد لتتابع متعة القراءة فاعلم أن ذاك الكتاب قدم لك كماً هائلاً من المعارف، اﻷفكار، التجارب، الواقع، الخيال، الحب، كل ذاك يقلل المساحة الفارغة المتبقية لديك بلا أي ذاكرة نفعية لذاتك وللآخر، أما أن تغادر الكتاب في أوله أو قبل الانتهاء من الفصل اﻷخير فاعلم أنك أنت من قدمت الوقت وخسرت الكثير من الانتظار أمام صفحات متخمة بالحشو وتكرار ماقيل، وكثيراً مامرت معك تلك المعلومة أو الفكرة المستهلكة على صفحات التواصل الاجتماعي ترمي الكتاب جانباً تتمدد تحت وطأة البحث تعيد حساباتك وقد أصبت باﻹحباط الذي ساقه لك ذاك الكتاب. تسجل استراحة بين قراءتك تلك والقراءة التالية فتعيد قراءة كتاب كنت قد تعرفت عليه واشتريته من على بسطة الكتب مرة وأنت في زيارة لدمشق وأحياناً تقول طابت الذكرى كونك اشتريته من معرض الكتاب أيام الدراسة الجامعية .
مصاب أنت بفوبيا القراءة ومتابعة برامج اﻷطفال من ساندي بيل إلى توم وجيري وسماعة الموسيقا في أذنيك، لما ع الباب ياحبيبي منتودع بيكون الضو بعدو شي عم يطلع)، هرمنا،هرمنا/ ومازلنا نبحث عن الحب في كتاب في أغنية في قصيدة جديدة في داخلك وطن يقاتل سعياً للتوحد بالخلود في عين الإله .
تنجز كل مالديك من مهمات عالقة تفتح سجل الكتب الجديدة تخصص الوقت الكافي للإطلاع على آخر إصدارات دور النشر للجيل الشاب يفرح رأسك باكتشافك ﻹبداعات جديدة لاتقل أهمية عن من سبقوها على هذا السلم الصاعد نحو الوجود حرب ، حب ، عشق ، أناشيد للأطفال ، قصائد عن الشهداء استيقظوا أيها الشهداء اﻷرض تحتفل بكم -ونم ياحبيبي نوما هانئا ، تعيسة هي أحلامك من دونها فنم في البيئة الحاضنة لهشاشتك .
ولاتنس أن تلف أصابعك بأكاذيب جديدة ترميها خبط عشواء دون وعي منك بالنتيجة كونك أقل نبضاً وفكراً، عادي أن تلتهمك الأوهام وعادي أيضاً أن تغلق النافذة بوجه الضوء الذي يشع من جملة استيقظت للتو على شفاه الطيون.
-أنظر من أعلى قلعة قريتي التي كتبت عنها قبل عشر سنوات في إحدى الصحف (قلعة الرصافة في مهب النسيان) ومازال النسيان يهب بين حجارتها ومازالت أسرارها تنام في سبات الإهمال أرى القرى المجاورة في السهل البعيد حتى أراني أرى حمص اﻷحب على قلبي قريبة كغيمة مرت قبل قليل من جانبي.
أنزل الدرج العالي ومعي غنائم الشعر وكل الطبيعة التي رمتني السماء فيها فأكسبتني الكثير من الصفاء والتأمل والغناء بصوت مبحوح على منبر القصيدة لا أنسى مسقط قلمي كما أني لا أنسى أنك المسقط اﻷقوى لقلبي . أتساءل ماذا لو أن اﻷشجار الحراجية التي نمت بين حجارة القلعة قد اقتلعت وتم الترميم على أقل من اكتشاف وأكثر من كنز معنوي ياسلام كانت قريتي صارت سياحية من الطراز العالي الجمال كلما سئلت عن اسم قريتي أجيب ببيت علي بن الجهم عيون المها بين الرصافة والجسر وأتخيل الجسر الذي كان بين القلعة التي قلت عنها في مهب النسيان ونسميها القلعة الغربية وبين القلعة الشرقية المهدمة بشكل كلي ولم يبق إلا مقام ﻷحد اﻷولياء في أعلى القلعة وخزان الماء الذي تشرب منه القرية وبرج سيريتيل، هكذا أخبرني جدي حين كنت صغيرة عن الجسر بين القلعتين كنت أصدق وأتخيل صورة الجسر ويقول جدي سكان القلعة الشرقية حين يطبخون يضعون صحنا من الطعام على الجسر ويكبسون الزر ليمضي إلى سكان القلعة الغربية والعكس أيضاً، ومازلت كلما ارتفع نظري صوب إحدى القلعتين أتخيل الجسر العالي ،وعيون المها . لم أكن أتعب من حديث جدي الذي كان بمثابة كتاب لاينضب من السير القديمة والمعلومات والقصص والخرافات واﻷساطير والواقعية وكلما انتهى من حكاية كنت آخذ استراحة لبعض اللعب والقفز فوق الصخور وأعود إلى كتابه وقد عبأت رئتي بهواء جديد وكلي طاقة للإصغاء كبرت وكبر الكتاب معي أضفت عليه ما علمتني إياه اﻷشجار والوطن والدروب والتجارب والخيبات والقليل من حسن الحظ .

 نصرة ابراهيم

 

المزيد...
آخر الأخبار