القراءة ،هي محاولة المعرفة الأولى ،منذ بدأ الإنسان يخط معارفه ،محفورة على جدران الكهوف، أو على جلود الحيوانات التي يصطادها، أو على الجدران،فيرسل حروفه أو رسومه ،لتصل الى الآخر ،فيقرأ ،وينتبه إلى تجربة ما، أو معلومة ،يرغب كاتبها أن يوصلها من بعد تجربة أو تفكيرٍ أو تأمل .. القراءة ،أول تنزيل العقل الكلي ،وأول أوامره :إقرأ ،ما أنا بقارئ، إقرأ باسم ربك .. ما أنا بقارىء، إقرأ ،فعل أمر لإيصال رسالة جديدة، إقرأ لتعرف شيئاً جديداً، إقرأ لتنجو من ظلام أنت فيه، إقرأ لتعرف طريقاً يوصلك إلى جنة المعرفة . القراءة باب النور الذي يوصلك إلى مدينة المعرفة، القراءةُ هي الباب إلى مدينة العلم، القراءة هي التماس حروف الكون لمعرفة كيف تم البناء الكبير، محاولة تفسير هذا الكائن البشري ،الذي انفصل يوماً ما عن الطبيعة ،بعقله ،وصار مدركاً فرادته بين من يدب على الأرض، بمدركات ،سماها العقل ،وحاول تفسير وقراءة حاله ،كائناً غير حيواني ، بحروف وسلوك جمعي يستثمر ماحوله من كائنات ،وأشياء لم تستطع أن تصل إلى مرحلة ومستوى القراءة ،وتفوق عليها هذا الكائن بالقراءة ،حتى صار ،خليفة الله ،ووكيل العقل الكلي ،الذي ارتضاه سيداً،عالياً، كاتباً، سامياً، وهو القارئ الذي سيبني الأرض بالعدل .. القراءة حالة تأمل لهذا الوجود، القراءة حروف، وأبجدية، القراءة ورق، القراءة عمرٌ جديد نكسبه، القراءة محاولة أن نكسب أياماً أخرى وسنوات أخرى ،ينقلها لنا كاتب أو رسول أونبي، لنعرف كيف تم هذا الكون والمجتمع ، وكيف قامت الحضارات، وكيف سقطت .. القراءة بحث عن سر هذا الوجود ،وما تم القول فيه ،من حروف الفلاسفة والشعراء والحكماء .. نقصد بالقراءة ،البحث عن المعرفة، البحث عن الذات، البحث عن حروف هذا الكون، البحث عن مصير هذا الكائن ،الذي يحاول أن يدرك ويعرف نفسه من خلال الآخر .. وأنواع القراءة كثيرة منها المباشرة للمكتوب من الحروف ،وماتنقله النصوص المكتوبة بحبر وريشة الخبير الكاتب ذو المعرفة والرسالة .. والقراءة التأملية، حيث يتأمل الإنسان، حركة الناس،أفراداً وجماعات ، في معيشتهم، وأحلامهم، ورؤاهم، ورغباتهم ،فيستفيد من خلال القراءة ،من تجاربهم .. والإنسان عادة ،يقرأ من أجل المعرفة ومن أجل تطوير حاله ومجتمعه ، ونقرأ كل ما نحتاجه ونرغبه .. نقرأ كل مايوافق تفكيرنا، نقرأ كل مايثبت صحة ما نحب من أفكار، ونقرأ لنعرف أنفسنا والكون والمجتمع، لنعرف ماخفي عنا من هذا الكون الواسع، نقرأ لنعرف إلى أين نمضي، نقرأ لنعرف سر الخلود وكيف سنبقى بلا موت، نقرأ لندرك مصيرنا الكوني، من نحن، وإلى أين ؟ القراءة بحث دائم عن سر الخلود .
أيمن رزوق