أتحاشاك وقت أحتدام الواقعة ، أصبر طفلاً يتلعثم بالأبجدية الأولى ، أهلكته .. العناصر ، مزقته الولاويل ، وعاشقاً ضيع موعده البكر على ضفاف النهر ، وحاصرته الوساوس ، وغاب بعيداً يحلم أن الصبح قريب !
يالغة العشب ، وحوار الفصول المتعاقبة ، ومزمار الراعي وقت استراحة القطيع تحت ظلال النخلات ، وبين أجفان الغروب الراحل على حد الأفق الأغبر ، همْهم .. بحسرة وتوجّع وغادرته الابتسامة ، ها هي ذي قادمة كالفراشة بين الأوراد والحقول والرياحين ، تضم خواصر الدروب ، وتحترق تحت أقدامها المسافة . إنها لوحة الشاعر ، ولون الشفق ، ولوعة المشتاق ، ووصول المسافرين إلى نقطة النهاية ، تلك الطيور .. عادت وتكتمل القصيدة ، وتبقى بلا عنوان لائبة على أطراف البادية تبحث عن رسم الأحباب ، وبقايا الرماد .. لمواقد مهجورة .
ــ مستحيلة لغة الحوار ، أغصان الحور تمايلت ، والبلابل ما عادت تزور الأغصان والموايل احترقت ، واحتضر النبض بين كلماتها ..
من بعيد أسمع صهيل الفارس ، لا تحردي أيتها الناطرة أبد الدهر ، هو قادم على صهورة الريح يحمل بين جنبيه الحب والحنان والمستقبل الغرّ , يفرد همومه بين راحتيك الصغيرتين ، يغفو كطريد على صدرك الريان بالندى ، يحلم بالسهول والعطاء .. والسنونو العائدة إلى فصل الدفء ، يجفل من هبات الصباح الطرية ، يزرع في عينيك دموع اللقاء يساهر النجوم وهو راقد على ركبتيك كطفل تداعبين خصلات شعره الهاربة من عبث المعاناة ، يهذي بغد معلّقٍ بالأمنيات ، محاصر بالعناد والمشاكسة !
ــ نامي .. يادورة الحياة الطبيعية في قلبي ، وانعطفي حين ينتصف النهار في مداره، يعلن أن زمن القيلولة آن أوانها ، فهلمي نجر الخطا .. ، نستظل تحت شجرة التوت العتيقة نرسم بالأصابع مقاطع خيالية من المشاكل والهموم ، وتلتم رائحة التراب ــ المرشوش بالماء .. وفي ظلك ينتعش الجوري ، ويضحك الفل ويزغرد القرنفل ويبكي على حاله البيلسان هاأنذا السلفي المتوّهج .. على كتفي هموم العالم أحملها زادي بقية من التراث موقد جمار الحضارة ، وضوضاء العصر بكل أبعاده،
حافياً .. أنتعل بحذاء وهمي وهو على أقساط لقاء بقائه في قدمي .. وقميصي كان هدية مشكورة من الـ ــ ؟ ! . ــ ووجهي بقية من صنم تنحته عوامل الزمان ، تحيله إلى شكل مهرج عيناه جاحظتان ، ويداه مشلولتان ، ورقبته ضائعة ، وصدره هيكل معروض في متحف ــ التقاليد الشعبية ــ يالغة لا تفهمني ولا أدري ما تدل عليها الحركات ! وكأنني أتهجى دروس القراءة من جديد ! ..
قفي يا مؤونة المحطات ، ومداراً يزنر بنزق طفولي محيط أحزاني اليومية هاأنذا .. أقف على مركز الكرة الأرضية في نقطة القطب ، حيث تنعدم .. الجهات ، أسمع من بعيد انهيارات الجليد ، وضجة قطعان البطريق ، ووحيف جماعات الدببة .. وصيحات الأقوام القطبية ! ..
تعالي يا حلوة الفصول نرسم العالم .. ونحدد موقعنا ، ونصرخ بالشمس : لا .. لا تغربي أخاف لون الشفق ، وأحمرار الأفق .. وزرقة السماء ، ورفرفة النوارس حين تعود من رحلة المعاناة ! .
خضر عكاري