الحق الذي يجب أداؤه

لا أعتقد أن أحداً من المثقفين والمهتمين بالعلم والمعرفة والمتعلمين ، بمختلف ميولهم واهتمامهم ، ينكر أن عصرنا هو عصر انفجار العلم والمعرفة ، وأن ما تلفظه المطابع من كتب ومجلات وصحف ، وما تنشره مواقع الشبكة العنكبوتية على مواقعها ، هو أيضاً أمر يبلغ حد الاستحالة في أن يحيط به المرء مهما كان شأنه ودرجة اهتمامه بالقراءة والمتابعة والتحصيل .
ولكن والأمر الآخر غير المقبول ، هو عزوف النسبة العظمى من الناس، ولا سيما الشباب – عن القراءة التي تُعَدُّ المصدر الأول للحصول على الثقافة والمعرفة وإنارة العقول بما يغني ويفيد ، ويكون سبباً في نهضة المجتمع ورقيِّه …
وهذا العزوف عن القراءة يظهر أثره في التسطح الفكري والثقافي والعلمي عند كثير من خريجي الجامعات الذين لم يقرؤوا كتاباً واحداً ، أو مجلة، أو صحيفة، منذ تركوا أبواب الجامعة ، ويظهر ذلك من خلال ما يتكلمون به في نقاش يدور ، أو سؤال يُسْأل ، أو حوار يفتح في مجلس ما، وقد قيل: ( المرء مخبوء تحت لسانه ) .
وأعود إلى شبابنا لأقول : إن معظمهم يضيع أوقاته سُدى بالهاتف النقَّال،
والكتابة والتسلية بأشياء فارغة دون أن يقرؤوا شيئاً مفيداً يغذي عقولهم، ويرقى بنفوسهم ويهذبها … وأذكر مرة أنني أوردت قولاً للكاتب الكبير عباس محمود العقاد على طلابي في الجامعة عن أهمية القراءة ، ثم خطر لي أن أسألهم :
من هو عباس محمود العقاد ؟ فلم يجب أحد منهم . ثم سألتهم : من أي بلد عربي هو ؟ فلم يجيبوا أيضاً ، فإذا بهم لم يسمعوا بكاتب كبير له عشرات المؤلفات في المكتبة العربية ، وتاريخ حافل في كتابة المقال على صفحات الصحف والمجلات ، وسجلّ طويل في المعارك الأدبية التي سادت في القرن الماضي مع كبار الأدباء والشعراء بما يشهد له بعلوِّ المنزلة ، ورفعة المكانة بين الأدباء والكتّاب والباحثين والنقاد العرب .
فقلت بعد سؤالي لطلابي عنه : يا لها من طامَّة كبرى في جيل لا يعرف شيئاً عن عَلَم ٍ من أعلام الفكر والأدب .. لأن هذا الجيل لا يقرأ مع أنه من أمة ( إقرأ ) .
ولا بد أن أشير هنا إلى الوجه المقابل ، وأعني أهمية القراءة في الغرب ، فكم قرأنا وسمعنا بأن المواطن هناك يحمل معه كتاب جيب صغير يفتحه ويقرأ به في القطار أو الحافلة ريثما يصل إلى المكان الذي يقصده . وذكر الباحثون أن معدل قراءة الفرد العربي في العام ست صفحات، في حين يقرأ المواطن في الغرب اثني عشر كتاباً في السنة .
وفي عام 1957 حين أطلق الاتحاد السوفييتي أول مركبة فضاء إلى القمر، ثارت ثائرة الشعب الأمريكي على حكومته ، وطالبها بالاستقالة ، لأنها قصَّرت في توجيه الشعب نحو القراءة ، وتقصيرها في هذا الأمر جعل الروس يتقدمون علمياً على الأمريكان فسبقوهم للفضاء .
وحتى القدماء أدركوا أهمية القراءة ، وقد وجدت بعثة أثرية في مصر نقشاً فرعونياً فوق باب أحد الأبنية يقول: ( هنا غذاء العقول ، وطب النفوس )، فقال علماء الآثار : هذا بناء مكتبة .
ومن أسف شديد أن معظم هواة مواقع التواصل عندنا لا يقرؤون كتاباً مفيداً ، أو مقالاً جاداً بتمعن ، بل يمرون على ذلك مرور الكرام . مكتفين في أحسن الأحوال بإشارة الإعجاب من أجل المجاملة ليس غير .

د.موفق السراج

المزيد...
آخر الأخبار