قصة قصيرة : لا تحسبوه تراباً أحيط بشباك !

جلست أمام سريري أحدّق به ، كان لدّي الكثير من الواجبات لأنهيها ، كنت أنظر إليه وابتسم قائلاً في نفسي : ماذا عن قيلولة ثم أنهض وأكمل واجباتي ، لكن سرعان ما تأتي الإجابة اللاإرادية لا لا لديك الكثير من الواجبات ، استلقيت على السرير بعد أن انهكني الصراع بيني وبين نفسي ، أصابني الشرود ورحت أفكر …..
طقطقة ماأتت من خلف الباب ، دُقّ الباب دقةً كانت أشبه بدقة طفلٍ بريء ، قلت في نفسي لعلّه أخي رامز وقد جاء وقت مزاحه .
ــ تفضل ، أيها الثرثار ! لكن لا وقت لدي لألاعيبك .
فتح الباب ودخل أحد ما ، لم يكن أحداً من أفراد عائلتي ، غلب على الموقف الصمت من جهة والذهول من جهة أخرى .
غريبٌ أمره على الرغم من أن الحزن سيطر على وجنتيه ، إلا أنّ ملابسه أشارت إلى عكس ذلك ، قبعة حمراء وسربال أبيض تلونت بعض من أجزائه ببقع خضراء ، وبنطال أسود !!
ألقى عليّ التحية بقوله : عمت مساءً أيها الشاب أحمد !
فرددت : ومن أنت وكيف عرفت اسمي ؟؟
ــ وكيف للوطن ألا يعرف أبناءه ؟
ــ من ؟؟
ــ الوطن وطنك أيها الصغير !
قفزت من سريري ورحت أقبله : أهلاً بالوطن المحبوب !
ــ أي حبّ هذا ؟؟
ــ الحبّ … حبّ المرء لوطنه
ــ دعك من هذا ، فكلّه ترهات
ــ لماذا ؟؟ !
ــ لو كان هناك من يحبني ويعشقني لما كنت على هذا الحال ، الألم وقد نزل مقيماً سرمدياً في جسدي ، والحزن وقد تمركز على أبواب قلبي وكأنه عنكبوتٌ حطّ خيوطه عليّ …
وراح يعدد لي أوجاعه ، وقد رافق ذلك دموع قليلة انهلت رغماً عنها ، وابتسامة غريبة الأطوار مزجت بين الفرح والحزن .
أرجوك لا تبكي !
ــ وكيف لي أن لا أبكي وقد اتخذتموني مجرد ترابٍ أحيط بشباكٍ .
ــ لا لست كذلك أنت كالأم حناناً وكالأب رفقة وكالحمام سلاماً .
ــ لكن ماذا عن هؤلاء …. ؟
ولم يتابع
ــ أكمل
ــ أوجاعي كثيرة ….
وصمت .
جلس على كرسي طاولتي بالقرب من النافذة وراح يتأمل ، أردت أن أخفّف عنه فسألته : أين تسكن ؟؟
قديماً؟ … في فؤاد كل عربيّ ، أما الآن فلا أدري وغداً … ربما قبراً مظلماً لا حياة فيه .
كانت قسمات وجهه تجيب قبل لسانه ، أمسكت بيده وقلت :
أعاهدك ياوطني أن أكون سنداً وحامياً لك في كل حين ولحظة .
توجه نحو الباب وهو يضحك ويقول : سأعود للحياة مرة ثانية .
وودعته صارخاً بكل ما أوتيت من قوة : لله درك ياوطن الأمجاد !
وإذ بي أ_(سقط من السرير وأنا أهتف رافعاً ذراعي سأحميك ياوطني … ! سأحميك ياوطني .. !
لأفتح عينيّ على أمي وهي تكركر ضاحكةً مما رأته قائلة :
ماالذي أصابك يابني ؟؟ !
قلت وبحرج : لا شيء لاشيء
ثم خرجت أمي والابتسامة لم تنفصل عن وجهها بعد ، توجهت إلى طاولتي لأكمل واجباتي ، لكن تلك العبارة الحزينة ظلّت عالقةً في ذاكرتي
(قد اتخذتموني مجرد تراباٍ أحيط بشبك )
نور عبد الرحمن الشيخ يوسف

المزيد...
آخر الأخبار