لقد أثبتت الدراما حضورها الطاغي بحياتنا,فلونت أيامنا بألوان قوس قزح ,فتارة تترك البهجة والفرح,في حال كانت تحمل الكوميديا مثل (ضيعة ضايعة) ,وتارة تترك غصة تسكن في أعماقنا ,على تاريخ غابر ملوث بالشرذمة والضياع مثل (ملوك الطوائف أو ليلة سقوط غرناطة) .
حاتم …الممثل
تخرج الفنان حاتم علي من المعهد العالي للفنون المسرحية في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم ,وهو يحمل أحلاماً بأن يظهر على شاشة التلفاز ,وكان له ذلك , ولكنه بقي لفترة طويلة في الصف الثاني من الفنانين ,ولم يتمكن أن يأخذ دور البطولة(كنجم من الصف الأول) في أي عمل درامي سواء كان خماسية …أم سباعية …أم …, فقد أيقن بأنه لن يحجز له مقعداً في الصف الأول كممثل ,ولأنه يحمل حلماً يتجاوز الحضور الذي حققه عبر تلك السنوات ,فلم يكن راضياً عن حضوره ,وشاءت الصدف بأن يحصل على دور في مسلسل (دائرة النار) قصة هاني السعدي وسيناريو وحوار الشاعر ممدوح عدوان وإخراج هيثم حقي , وقد ترك نقاشاً وجدلاً رائعاً في تلك الفترة ,واعتقد بأنه اللقاء الأول مع المخرج هيثم حقي ,ومن يومها وقع في حب الوقوف خلف الكاميرا (المونوتور)وأيقن بأن المخرج هو المبدع الأول في العمل الدرامي بعد الكاتب ,فعمل مساعد مخرج مع الأستاذ هيثم حقي في عدة أعمال أذكر منها (خان الحرير بجزأيه وسيرة آل جيلاني )وغيرها ,فكان له نصيب من النجاح الذي حققته هذه الأعمال الهامة في تاريخ الدراما السورية ,مع زميله المساعد المخرج الليث حجو .
المخرج ….حاتم…
استطاع أن يأخذ عدة فرص كمخرج منها عمله (الفصول الأربعة) بجزأيه ,لقد أثبت بعد هذه الأعمال بأنه مخرج متميز ويملك طاقات هائلة ,ويحمل مشروعاً فنياً كبيراً لو قدر له أن يظهره فإنه سيحدث نقله نوعية بالدراما السورية والعربية ,وهذا ما أثبته بعد عمله المميز (الزير سالم) سيناريو وحوار ممدوح عدوان , بهذا العمل أحدث منعطفاً جديداً على صعيد حضور المجاميع الضخمة من الكومباس ,وطريقة تحريكها بشكل فني راق ,والأهم من هذا استعانته بخبراء في تنفيذ المعارك الحربية ,طبعاً(بالسيوف)فقدم المعارك بسوية حرفية عالية ,وهذا ما فعله في(ملوك الطوائف) إذ قدم معركة الزلاقيات بزمن يتجاوز 20 دقيقة ،وهذا إنجاز لم يسبقه إليه أحد ,وفي الزير سالم أكد المخرج حاتم علي بأنه يبني مشهدية بلغة بصرية ساحرة ,يحرك ممثليه بإيقاع يملك الكثيرمن الحيوية ليستولي على المشاهد ويأسره في المتابعة دون أن ينال الملل منه شيئاً,لقد أعاد عمله الدرامي التاريخي (الزير السالم) الألق للأعمال التاريخية التي عزف عنها المشاهد العربي ,لأنها في السابق كانت أعمالاً قد نفذت بطريقة سطحية وساذجة,فقد كتبت وأخرجت بفقر مادي وفقر فني ,وتحديداً على صعيد الإخراج ,فالديكور بائس وفي استديو متواضع , رغم أن الأعمال التاريخية الناجحة وذات الحضور الجماهيري والفني مكلفة مادياً ومرهقة (للمخرج والكادر الفني )كثيراُ في اختيار الأماكن المناسبة والتصوير بأجواء(حارة أو باردة ) صعبة جداً,مثل صحراء أو قمم الجبال , لقد أثبت المخرج حاتم علي بأنه يحمل جلداً كثيراً في تنفيذ المشاهد الخطرة والقاسية ,وأحياناً كان يسافر من بلد لآخر فقط لينفذ عدة مشاهد ,من مسلسل قد يصل لثلاثين حلقة , وكأنه يرسم المشهد على ورق (كروكي) حتى يخرج بأحلى حلة , يراقب ممثليه ويحركهم وكأنه يأخذ منهم أرقى ما عندهم من أداء باهر ,المخرج حاتم علي يمتلك عيناً فاحصة تسبر أغوار الشخصية التي يتناولها وهكذا يحرض ممثليه على دفق إنساني وبلغة فنية متفردة .
رأي أستاذه
يقر المخرج الأستاذ هيثم حقي بأنه يحب أن يشاهد أعمال حاتم علي أكثر من أعماله ,وهذا إقرار ضمني بشكل خلاق بأن التلميذ قد تفوق على أستاذه ,هي رفعة فنية وأخلاقية بينهما قلما تجدها (للأسف) في الوسط الفني والثقافي ,هو انحياز نحو الجمال البصري والفكري ,ومن يقدم الأجمل ترفع له القبعة ,وعندما دخل مصر التي تعتبر عاصمة الفن في الوطن العربي ,حضر حاتم علي عدة أعمال فأنجز منها (الملك فاروق و تحت الأرض ) وقد حصد حضوراً جماهيرياً كبيراً,واحتفلت الصحافة الفنية به كمكسب كبير للدراما (المصرية) ,في أي بلد عربي يحضر الفنان حاتم علي يترك توهجاً ونجاحاً يحرض زملاءه على منافسته ,وكي يقدموا أجمل ما عندهم .
مشروع حضاري …أنجز منه…
إن المتابع لمسيرة هذا الفنان المبدع حاتم علي يكتشف دون عناء تفرده وريادته لأنه ببساطه صاحب مشروع فني كبير بدأه مع شريكه في الإبداع د وليد سيف ككاتب، وحاتم سطر هذه الصفحات إلى مشاهد تملك حيزاً كبيراً بالذاكرة الجمعية لهذه الأمة المغيبة ,فمنذ (صقر قريش )إلى (ملوك الطوائف) وهو يحرض هذه الأمة على خلع ثوب التخلف والتحجر وصناعة مستقبل يليق بتاريخ وحاضر هذه الأمة المغيبة قسراً.