قصة قصيرة : ( تحفة فنّيّة )

 أجمل ما حصل لي في هذا اليوم وقوفه لثلاثة أرباع السّاعة أمام واجهة متجري.. أكذب إن قلْت(لم يسرّني الأمر)، ومن السّخيف إظهار شعوري بصورة الأحمق إن قلْت(لا يعنيني الموضوع)، سألْتُ نفسي وأنا أراقب نظراته المرتبكة إلى الدّاخل:(ـ ما مشكلة العشّاق مع الصّدق؟ ما مشكلة الأحاسيس في مشيتها على الصّراط المستقيم؟؟، لماذا نخاف من براءة الخجل عندما نسرق هذه النّظرة الّتي لن تروينا مفرد ومثنى وثلاث ورباع؟؟)، الآن .. سأمارس صدقي على أصوله.. خرجْتُ إليه وسط ازدحام الزّبائن، اقتربْتُ منه، وبدأتُ أقيس جسده بشبر يدي، من نصاعة الرّقبة حتّى كريستال الكاحل، ولأنّني أمارس الصّدق فلم أنتبه لذهول المارّة الّذين بدؤوا يتكوّمون أمامي وكأنّني عازفة مزمار هنديّة تراقصُ أفعى الكوبرا بحرفيّة عالية، وقفْتُ أنظرُ إليه وقد زرعَتِ الصّدمة باقتيّ جوري على مساحة وجنتيه، وقلْتُ بخبرة (فرزاتشي):(ـ لديّ ما يناسبك.. تفضّل).. كدْتُ أموتُ مرّتين وأنا أستحضر بذلة سوداء إيطاليّة كنت قد خبّأتها في سقيفة المتجر كي لا يستظرفها أحدٌ فأخسر أنا مشاهدتها تُزَفُّ لهذا الجسد الخرافيّ ويخسر هذا الجسد ما يليق به.. خمسُ دقائق ويخرج إليّ بمنظرٍ حمل معه كَفَني ونعشي وبوق إسرافيل الّذي نفخَ فيّ الرّوح عندما قال وهو يقف أمامي بكامل عطره:(ـ من الغريب أن تكون فتاة بهذه الأنوثة المخيفة صاحبة متجرٍ معروفٍ للألبسة الرّجّاليّة، لقد تردّدْتُ كثيراً بالدّخول قبل أن تبادري أنت بإدخالي ، بصراحة؟.. شعرْتُ بالخجل منك).. ثمّ ابتعد قليلاً وقد فَرَدَ يديه وأخذَ يتفنّن بالدّوران حول نفسه وهو يسأل ضاحكاً:(ـ ما رأيكِ؟.. لقد أعجبني كثيراً).. أمعنْتُ النّظر ودقّقْتُ الملاحظة علّني أجد الحروف أو على الأقلّ أمسك بطرف الّلغة، لم أعثر إلّا على بعض مستحاثّات كانت عالقة داخل لساني وتحرّرَتْ فجأةً:(ـ إنّك ـ والله أعلم ـ تحفة فنّيّة)…
كنانة ونوس
المزيد...
آخر الأخبار