مَنْ يَملأ كلَّ هذا الفراغ ؟؟

ثمة سؤالٌ لطالما طرحته غير مرة بيني وبين نفسي وأمام العديد من الأصدقاء عقب لقاءات لي مع بعض الأدباء الكبار أصحاب التجارب الباذخة والثرّة والممتدّة لعقود طويلة..
مع أدباء شكّلوا علامات فارقة في المشهد الثقافي السوري على أقلّ تقدير ..
مع أدباء يفيضون قمحاً وماءً ونوراً ,ويتجلّى هذا الفيض وذاك حين يتحدّثونَ عن تجاربهم ومنجزهم الإبداعي,وعن علاقاتهم مع بعضهم بعضاً أبناء ذاك الجيل النبيل ..منجز تأتّى من خلال الإمعان بالقراءة والبحث , ومن خلال الوفاء للفكر وللقلب وللعقل فأنتجوا نصوصا وإصدارات تمثّلهم وتعكس شخصيتهم , ولأنهم أيضاً أمعنوا في ثقافتهم الفياضة بالحب للحياة وللإنسان راحوا ينسجون علاقات تعكس ذاك الإيمان الخاص جداً، بأنهم أدباء وشعراء من مقام خاص جدا كيف لا وهم أقل ما يمكن أن نقول فيهم : خليفة الله على أرضه .
ويتعزز لديّ طرح هذا السؤال بعد وفاة أحد تلك الرموز والتي كما قلنا شغلت ما شغلته من حيّز هام في حراك ثقافي هام
والسؤال الذي يطرح نفسه مَنْ مِن المحتمل أن يملأ هذا الحيّز أو ذاك الفراغ بغيابهم المرّ ؟؟ مَن يملك مقومات ملء هذا الشاغر مَنْ ؟؟
نعم ثمة أدباء من هذه المقامات في كل مدينة من مدننا شكّلت إن لم نقل مرجعا يمكننا أن نقول إنهم قدوة للكثير الكثير من أبناء جيلنا ..فعلى سبيل المثال سأنطلق من مدينتي مصياف ثمة أساتذة مثل : علي الخش فاديا غيبور رفعت عطفة وعلي العمر إلى مدينتنا الأكبر حماة والتي رحل فيها ومنذ أقل من عام أديبنا المرحوم عبد الوهاب الشيخ خليل وقبله أيضا علّامة الجيل الأستاذ محمود فاخوري رحمهما الله , والآن يوجد أساتذة لنا أمدّ الله في عمرهم وصحتهم من أمثال محمد منذر لطفي وعدنان قيطاز ..وما زال صوت الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل حاضرا وهو يتحدث عن طفولته المعذبة، وأيضا و بكل حبور عن علاقته مع أترابه سيما مع منذر لطفي وعدنان قيطاز وأذكر أنه قال أنه بدأ قبلهم بكتابة الشعر ولكنهما وبعد سنوات قليلة تجاوزاه فنيا فأصبح يرافقهما في أماسيهما الشعرية وبصفة ( مصفقجي) على حد توصيفه ..قالها وبدا يضحك كطفل جميل حنون ..
وفي حمص أسماء أيضا لها ذاك التاريخ العريق من أهمها الدكتور شاكر مطلق وذاك الثلاثي الجميل والباذخ عبد الكريم الناعم وممدوح سكاف ومصطفى خضر.
أكتب مادتي هذه على إيقاع خبر رحيل الشاعر النبيل والطيب ممدوح سكاف رحمه الله ..مَن سيملأ ذاك المكان المهيب ..ومَن أيضاً من الأدباء سيرث شاعرنا وأستاذنا عبد الكريم الناعم ( أمدّ الله في عمره وصحته) بكل عظمته ومخزونه الموسيقي والشعري والحكائي والنقدي ..
وأذكر أننا في عام 2008استضفنا في مديرية الثقافة في حلب فعالية أدبية شعرية خاصة بالشاعرين عبد الكريم الناعم وممدوح سكاف وأكثر ما لفت انتباهنا بدرجة لا تقل أهمية عن ما قدماه من قصائد هو حديثهما عن تلك العلاقة الراقية والخاصة فيما بينهما إذ أكد ممدوح سكاف رحمه الله أنه ومنذ عقود لم يمر يوم دون تواصلهما على الأقل هاتفيا .
ومن حماة وحمص إلى حلب مدينة الله الطافحة بالضوء وبالنور نجد ثمة أسماء شكلت كما قلنا علامة فارقة مثل صديقنا الذي رحل منذ ما يقارب العام الدكتور محمد الراشد رحمه الله
..الآن حلب فيها ما فيها من أدباء أمدهم الله بوافر نعمه بالصحة مثل : عبد الفتاح قلعجي – وليد إخلاصي – فايز الداية – محمود على السعيد – وعصام ترشحاني – مصطفى النجار وغيرهم .
ومن الساحل أيضا أدباء أمثال : أحمد يوسف داود ومحمود حبيب .. جابر خير بك
وسأختم بأسماء من مقامات دمشق لا تقل أهمية عن ما ذكرت مثل كوليت خوري وناديا خوست ونذير العظمة
كما من السويداء صابر فلحوط واسماعيل الملحم ومن درعا علي عقلة عرسان
نعود ونقول هؤلاء الأدباء شكلوا لنا ملامح طريق ما ..كما كان قد شكل لهم أساتذتهم ملامح طريق ما وعملوا على تعبيده .. ومانأمل أن ننجح بتعبيد طريق تركوا لنا ملامحه ونواصل فتح طرق جديدة ودروب أكثر ألقا وحيوية وقابلية للبقاء ..طرق توصل وتطل على آفاق طافحة بأقمار من الحب والنور والسلام.
كما نأمل أن ننجح برسم ملامح طريق يليق بأجيالنا القادمة
ولكن السؤال الهام هنا والذي يطفو على السطح كيف لنا وللجهات المعنية أن نكرم هؤلاء الكبار ماديا ومعنويا وفق طقس احتفالي يليق بهم وبعيدا عن تلك الآليات المعتمدة ولعقود ( درع تكريم – شهادات تكريم ) وحسب..؟؟
وكم علينا أن ندرك أن تكريمنا لهم هو تكريم للجمال وللثقافة ولأرواحنا قبل أن يكون لهم أو لمنتجهم الثقافي الإبداعي!
وكيف لنا أن نعمل على حفظ هذا الموروث أو الإرث الثقافي الباذخ حتى الشفاهي منه ؟؟
هي ذي الأسئلة برسم العقل والثقافة ومن ثم برسم الجهات المعنية .

 

 

المزيد...
آخر الأخبار