الواقعية .. كمذهب في الفكر والفن ، يقصد بها الأمانة والصدق الفني الشامل في تقديم الحقيقة بين الفرد والظروف المحيطة به .
وإذا تحدثنا عن الواقعية في السينما العربية ياتي أولاً فليم ( العزيمة ) الذي تم تصنيفه الأول ضمن أفضل عشرة أفلام وآخر تصنيف جاء الأول أيضاً ضمن أفضل ( 100 ) فليم عربي على مر الزمن .
الفيلم أخرجه ( كمال سليم ) عبقري السينما الذي رحل باكراً وهو لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره ، وهو الذي كتب القصة والسيناريو والحوار أيضاً .. عام /1939/ وكان قد أخرج قبله فيلمه الأول ( وراء الستار ) الذي نجح نجاحاً باهراً ، ولكن كمال سليم لم يكن راضياً عن الفليم ، وجاءت الفرصة المواتية له عندما عرض عليه أن يخرج فيلم (العزيمة) فاختار لبطولته الممثلة العظيمة ( فاطمة رشدي ) وكانت يومئذ زوجته ، أفرغ كمال في هذا الفيلم كل مواهبه اللامعة ، ونجح الفيلم نجاحاً كبيراً أدبياً وفنياً.
إن فيلم ( العزيمة ) يطرح بجرأة ووضوح مشاكل البطالة التي تفشت في المجتمع المصري خلال حقبة الثلاثينات من القرن الماضي ، وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وهذا بسبب احتدام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر أنذاك ..
وذلك تم من خلال معالجة الفيلم لمشكلة بطله محمد أفندي ( حسين صدقي ) الشاب المتعلم الذي رفض التقيد بأطر الوظائف الحكومية الرسمية ، وفضل عليها العمل الحر الشريف ليستطيع أن يحقق لنفسه ولأسرته العيش في مستوى اجتماعي أفضل ، وهو أن ينشئ مكتباً تجارياً خاصاً للاستيراد والتصدير ، ولم يتحقق له ذلك إلا بمساعدة البرجوازي الكبير ( زكي رستم) والد صديقه وشريكه في المكتب التجاري ( أنور وجدي ) وهذا العيب لا يقلل من أهمية الفيلم كعمل واقعي رائد في السينما المصرية ، فمثلاً نجد أن الحارة الشعبية عند كمال سليم لم تكن مجرد ديكور تم بناؤه ، إنما كان واقعياً يموج بالحركة الطبيعية المتدفقة لحياة الشخصيات الحقيقة داخل الحارة ، كما أنه كان يرسم بصدق الجو العام للحارة ، ويوحي بروحها الشعبية الأصيلة .
كمال سليم يعد أول من قدم الواقعية في تاريخ السينما المصرية ولد في حي الظاهر بالقاهرة في /19/ تشرين الثاني عام /1913/ وحصل على الثانوية ثم سافر إلى فرنسا لدراسة السينما ، امتدت دراسته بعد ذلك إلى الفلسفة والأدب والاقتصاد والتصوير السينمائي وتلقى دروساً في الرسم والموسيقى ، إلى أن بدأت مسيرته الفنية من خلال تأليفه وإخراجه فليم ( وراء الستارة ) لتتوالى أعماله بعد ذلك حيث أخرج ( 11) فيلماً أبرزها : ( الظاهر ، شهداء الغرام ، أحلام الشباب ) وكان يستعد لاخراج فيلم ( ليلى بنت الفقراء ) الذي كتبه أيضاً ، لكنه توفي فجأة في الثاني من نيسان عام /1945/ ، وهذا مااضطر منتج الفيلم ( أنور وجدي ) لاخراج الفيلم بنفسه ، ونجح الفيلم نجاحاً كبيراً ، وهذا ما جعل أنور وجدي يتجه إلى الاخراج أيضاً بعد أن تزوج ليلى مراد .
( فاطمة رشدي ) بطلة ( العزيمة ) أفضل ممثلات النصف الأول من القرن العشرين بدأت في المسرح ، وأطلق عليها لقب ( سارة برنار ) الشرق وسارة برنار ممثلة فرنسية اشتهرت في القرن التاسع عشر في أوربا وأميركا ، ولدت فاطمة رشدي عام /1908/ وتوفيت عام /1996/ ومن أهم افلامها ( العزيمة ، الطريق المستقيم ، الجسد ) في أو بطولة للفنانة
( هند رستم ) ، ورحلت فقيرة بائسة .
أما حسين صدقي بطل ( العزيمة ) فقد كان أشهر نجوم السينما العربية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي ومن أشهر أفلامه ( ليلى في الظلام ، شاطئ الغرام ، خالد بن الوليد ، أنا العدالة ) وكان أخر فيلم قدمه عام /1960/ فيلم ( وطني وحبي ) وصورت مناظره في دمشق وكان من بطولة النجمة والمطربة اللبنانية المعتزلة ( قمر ) ورحل حسين صدقي عن هذا العالم عام /1976/ ، ويروي الشاعر والصحفي ( صالح جودت ) أن المخرج كمال سليم ــ وكان صديقه ــ قد أتى إليه وطلب منه تأليف أغنية ترافق الفيلم ، وكانت بالعامية ، والشاعر صالح جودت لم يكن قد كتب أية أغنية بالعامية ولكنه لم يخيب رجاء صديقه ، وفي نفس الليلة ألف الأغنية وتم تلحينها ، وغنتها مطربة قديمة اسمها ( أمال حسين ) يقول مطلعها :
( يابلبلين في الهوى خايفين من العازل
قالت عيونهم سوا متى حنتقابل ! )
سليم الشامي