اسمه الحقيقي :
نجيب عبد العزيز السبيلجي محفوظ
وهو من مواليد القاهرة سنة /1911/ م
وقد قال بعد أن نال شهادة الفلسفة من جامعة القاهرة :
وقعت أوراقاً لنيل منحة دراسية بعد تخرّجي باسم ( نجيب محفوظ )
فوقع في ظنّ بعضهم أنني ( قبطي) ! وحُرمت آنذاك من المنحة الدراسية (!!) .
في القاهرة وبتاريخ 30/10/ 1993 كنت مع الأصدقاء ( نيّرة حمدي) وهي محررة في قسم المرأة بجريدة الأهرام و( عبد الهادي صابر) محرر في جريدة الحقيقة ، و( السيد رشاد ) شاعر وصحفي في ( أهرام المساء) و( محمد بهجت) محرر في ( جريدة الأهرام ) و( إيمان محمد شوقي) في العلاقات العامة لهيئة قصور الثقافة ، و.. كل هؤلاء كانوا بصحبتي من أجل زيارة ( نجيب محفوظ) في مبنى جريدة الأهرام الجديد ، بشارع الجلاء، الساعة الحادية عشرة، والنهار ما يزال طرياً في هذا الشهر على الرغم من سطوع شمسه فوق القاهرة المغبرة ، وقد غلّف الجو ضباب أصفر كلون التراب ( !!) .
لم يكن هناك مناص من زيارة ( نجيب محفوظ ) !
وإذا ما سافرت إلى القاهرة أو زرت مصر الشقيقة ، فالهرم الرابع هو « نجيب محفوظ» بعد ( خوفو وخفرع ومنقرع) !!
هو هرم الرواية والقصة لابد أن يكون في قائمة من تزورهم أو تلتقي بهم.
وفي الطابق السادس ، في مبنى جريدة الأهرام ، دلفت مع السيد رشاد حجرة الكاتب الذي قرأته منذ نعومة أظفاري ، وتعرّفت إلى حي الجمالية ، وحيّ الحسين، وزقاق المدق ، وخان الخليلي ، وقصر الشوق ، وبين القصرين والسكرية ، وباب الحديد، والعباسية، والقناطر الخيرية ، ومنطقة الهرم ،وطرقات القاهرة وشوارعها ، تعرّفت إلى القاهرة كل القاهرة ، بحاراتها وقصورها وطرقاتها ودروبها عبر قلم الفنان الذي ظل أميناً على كل زاوية وحجر في القاهرة – مصر المحروسة (!) .
* * *
لم يطل اللقاء مع نجيب محفوظ أكثر من ساعة وربع الساعة ، إذ هناك مواعيد .. ولقاءات عديدة ، والساعة التي يقضيها بعد تقاعد من الوظيفة حافلة بكثير من الزيارات ، ومكتبه يجاور مكتب ( توفيق الحكيم ) وقد قال لي وهو يشير بتهيّب وإجلال :
-دا .. أستاذي .
لا أستطيع أن أدخل مكتبه إلاّ بإذن ! كأنه حاضر معنا (!!!)
وتوفيق الحكيم متوفى منذ عشر سنوات (!!)
أهديت الكاتب الكبير مجموعتين قصصيتين لي :
-وجه القمر وعذراً أيها السادة !!
قلب صفحات المجموعة الثانية وقال :
-دا أنت كاتب يا باشا (؟!)
ابتسمت وقلت :
-أنت لم تقرأ كلمة واحدة ، أنت تجاملني (!!)
قال بصوت خفيض :
-لو لم تكن كذلك لما سعيت إلى زيارتي (!)
قلت :
-أنا أعرفك منذ فتحت عينيّ على الدنيا (!!)
أستطيع أن أحصي لك القصص التي كتبت ، والروايات التي نشرت ، من ( رادوبيس ) إلى ( همس الجنون) إلى .. إلى .. حتى آخر كتاب صدر لك في مصر ( !!)
فطرب لذلك وقال :
-سورية ولبنان ( هم) أول من اكتشفوني (!)
اكتشفوا نجيب محفوظ !! تصوّر حتى الخمسين من عمري لم يكتب واحد في مصر كلمة عني ، حتى قرؤوا تعليقاً على بعض كتبي لكاتب سوري ( !!)
انتبهوا إلى ذلك ، وبدؤوا يقرؤون لنجيب محفوظ (!!)
ثم أكمل :
-تصوّر يا أستاذ حين ستخرج من هنا ، سوف يسألونك :
-هل ( أنا ) أستحق جائزة نوبل ؟.. مازال هناك من يسأل هذا السؤال وقد حصلت على الجائزة منذ خمس سنوات ( !! )
(أي منذ عام 1988) !!
وفعلاً ، حين انتهت هذه الزيارة سئلت هذا السؤال (!!)
نجيب محفوظ صار – اليوم- في الخالدين ..
و.. حتى هذه اللحظة ، كلما قرأت له أزداد ثقة بمستقبل القصة والرواية العربية وأهميتها في الحياة الثقافية والإبداعية (!) .
كلما قرأت له أحس بأن هناك شيئاً خفياً يتسلل إلى نفسي ويلحّ علي بأن أظل وفياً لكل كلمة سطرها في الإبداع الروائي العربي الأصيل .. وأتساءل دائماً :
-ما السر الذي جعل من ( نجيب محفوظ) روائياً كبيراً يحجب كل من حوله من الكُتّاب ؟
* * *
لقد كتبت بعدئذ بحثاً طويلاً عن نجيب محفوظ ( سميته الهرم الرابع ) نشرته في مجلة المعرفة السورية ( الشهر الحادي عشر من عام 1995) العدد ( 386) ذكرت فيه مسيرة هذا الكاتب الفذّ منذ ستين عاماً وهو ما يزال علم الرواية المفرد والأول في العالم العربي ، الأمين على نبض الناس ، ونبض الشارع ونبض الحارة .
نبض البسطاء والمسحوقين .. نبض الماضي والحاضر والمستقبل .. ما يزال يعطي لنا الإحساس الصادق الموحد الذي يمكن أن تكون عليه الحياة في القاهرة وغير القاهرة ووفاؤه وصدقه وصبره ومعرفته لمهمته الشاقة!!
* * *
ذلك كله هو الذي جعله رائداً يحجب من حوله ، لأنه يكتب عن الواقع ، يصوره التصوير الفني الأمين ، ولكنه ليس التصوير الحرفي أو التسجيلي .. كان نبوءة المستقبل للحاضر ، وعبرة الماضي للحاضر والمستقبل !
* * *
نجيب محفوظ تخطى في عالمه الروائي المكان والزمان .. ضمّ إليه الحياة العريضة فتداخل الماضي والحاضر والمستقبل .
نجيب محفوظ ذكرى هذه اللقاء لا تنسى .. ولقد صار مع الخالدين ، مضى بسلام صار في عليين ، لأنه الرائد الأمين والمسؤول الصادق مع نفسه وضميره ، فليهنأ طويلاً .. طويلاً