كثير من الحرف التقليدية تكاد تختفي من عالمنا الحديث ودخول التكنولوجيا والكهربائيات وغيرها من أدوات التطور تنحدر بها نحو التقهقر ومنها صناعة المكانس التي استطاعت على الأقل أن تصمد نتيجة العجز عن استخدام المكانس الكهربائية في ظل الحصار وانقطاع التيار، وإقبال للعمل فيها هرباً من البطالة.
وتشتهر الكثير من قرى مصياف بصناعتها وتعمل بها أسر كثيرة لتأمين حاجياتها، ويقول نزار حسن 67 عاماً بدأت هذه المهنة التقليدية في عائلتنا قبل تسعين عاماً، عملت بها مع والدي مذ كان عمري عشر سنوات. في حضن داره يجلس مفترشاً الأرض وبجانبه كمية من القش ومعدات بسيطة مثل المطرقة والمسلة والخيط والبخور والمشد، وكلها لا تحتاج أي نوع من مصادر الطاقة.
ويقول مباهياً بجودة إنتاجه «المقشة التي أصنعها مكفولة سنة كاملة، بخلاف المقشات التجارية الأخرى. – هجرة لكن معظم محترفي هذه المهنة تركوها بسبب التصريف لم يعد تصريف الإنتاج إلى مختلف المناطق السورية كما كان في السابق.
يقول أحد مزارعي القش يستغرق الوقت بين زرع القش وقطفه أربعة أشهر، ثم يحتاج القطاف والقطع والنشر من أربعة إلى خمسة أيام ليصبح بعد ذلك جاهزا ليتسلّمه صنّاع المكانس.
ازدياد الطلب
يقول صاحب أحد المحال لقد زاد الطلب على مكانس القش خصوصاً بسبب الكفّ عن استخدام المكانس الكهربائية في المنازل نتيجة انقطاع الكهرباء، وارتفع سعر بيعها تسعة أضعاف.
ففي العام 2010 كان سعر المقشة 100 ليرة، أما اليوم فسعرها 900 ليرة بسبب غلاء المحروقات والغلاء العام في البلد.. تقول منى: مكنسة القش من أدوات تنظيف المنازل التقليدية التي كانت معظم البيوت بحاجة إليها قبل وجود المكانس الكهربائية، البعض يعتبرها من التراث.. لكن البعض الآخر مازال يعتمد عليها كمصدر لرزقه وقوت عياله.
وأنا من أولئك الذين اعتادوا صنع هذه المكانس فلقد بدأت بذلك منذ ثلاثين عاماً لإعالة أطفالي ، يساعدني في ذلك أن هناك بعضاً من الزبائن الذين مازالوا يشترون هذه المكانس لاستخدامها في أعمال التنظيف المنزلية. ومكنسة القش تصنّع عادة من نبات (المكنس)، حيث تقوم النسوة بجمع عيدانه وشدها بخيوط قطنية قوية، ومن ثمّ يتم تفريدها بأن تربط كل مجموعة من العيدان على حدة، وتوضع بين خشبتين مضغوطتين بواسطة الخيوط حتى تسوى، ثم تقص لتصبح متساوية من حيث طول العيدان، وتكون بعد ذلك جاهزة للبيع والاستعمال، وهي بقياسات مختلفة. وهناك النوع الثاني من المكانس التي تسمى المكنسة الناعمة، وتصنّع من عيدان البردي الناعمة التي تحمل بذور ذلك النبات، وقبل أن تظهر تلك البذور يتم قصها، وتصنيع المكانس منها بنفس الطريقة، والنوعان المذكوران من المكانس يستخدمان للتنظيف داخل البيوت، إضافة لظهور مكانس النايلون مؤخراً والمصنعة آلياً من خيوط النايلون.
وهناك أيضاً (المشباط) وتصنع عادة من نبات (الجيجان أو اللبون) فقد كانت النسوة الريفيات يذهبن أثناء فصل الصيف للبرية بحثاً عن هذا النبات، ويقمن بصناعة المشابيط بأعداد تكفي حتى فصل الصيف القادم، وكانت النساء الريفيات يقمن بالتنظيف كل واحدة أمام منزلها بحيث ينظفن الشارع، أو ساحة القرية التي تقع وسط البيوت الطينية فيما مضى والتي اندثرت حالياً في معظمها أمام البيوت الحديثة، والشوارع النظامية المعبدة. ومن طرائف مكنسة القش انها كانت تعتبر أداة لتربية الأطفال في حال أساء أحدهم الأدب.
ازدهار صقور