نسيم رحمه الله عاش مئة وخمسة أعوام وهو لا يزال يحافظ على حياته العملية بتعامله مع زبائنه العابرين أسئلتهم المتعددة وهو الرجل المسن ، إلا أن الجلوس معه والحديث الذي يسرده على الحضور في جلساته يجعلهم ينجذبون لحديثه الطيب وكثرة الأمثال والحكم التي يسقطها على حديثه . هكذا كانوا في تلك الأيام يتحدثون .
نسيم بن حاتم والدته مفيدة تولد حمص عام /1885/ متزوج . هو متعلم ويجيد القراءة والكتابة لكن حديثه ينم عن اطلاع واسع في هذا المجال بعيداً عن المدرسة .
بدأ حياته كباقي أبناء جيله في ذلك الوقت يعمل في مهنة النول صناعة النسيج ولصعوبة الحياة في هذه المهنة في تلك الأيام ودخلها لا يكفي لمصروف البيت واكتملت الظروف الصعبة عليه حيث أخذ لخدمة الجيش العثماني كباقي الشباب في تلك الأيام منهم الدكتور عمر شكيب الدلال وصديقه انطقكلي الأخوين ميخائيل توما وشبلي انطقكلي ( الجد ) وعبد الرحمن موسى وغيرهم الكثير من الشباب حيث غابوا جميعاً عن بلدهم الأم سبع سنوات ومما حدّث به أبناءه أنه كان يعمل كجندي في الجيش العثماني ينفخ في البوق ويسأل لماذا ؟ يقول لهم : أعطوا ذلك الجندي عشر بيضات ومرة ثانية يقول لآخر أعطوه خبزاً وكثير من ذلك أي أنه كان يحاول أن يساعد رفاقه في الجيش بطريقته الخاصة وهذا إن دل على شيء يدل على صعوبة الحياة في الجيش العثماني وما أكثره .
بعد عودته من الجيش العثماني ذهب إلى قرية السقيلبية وعمل في مهنة صناعة الحلوى أي كنا كما يقال عنها في ذلك الوقت ( بغجاتي ) حتى أنه أخذ ذلك اللقب في حينها .
بعد ذلك بزمن عاد إلى مدينة حماة وعمل ببيع البياضات متجولاً في شوارع المدينة والأسواق لحسن معاملته وحديثه الطيب مع زبائنه واستمر في هذه المهنة لحين وفاته في حادث مرور بطرطيرة وذلك /1990م/ وقد بلغ من العمر مئة وخمسة أعوام .
وقد حصل معه موقف في حياته ذكره لأحفاده ولم ينسه أبداً حين ذهب لتهنئة سيادة المطران إيليا صليبا أثناء تسلمه أبرشية حماة ولما دخل باب الصالون . قال سيادة المطران أعطوا هذا الرجل الخرفان لأنه وجده بلباسه العربي القنباز والشملة والقضاضة البيضاء النظيفة وهو رجل مسن قصير القامة ولم يعرف مقام هذا الرجل بين الناس كون المطران حديث المعرفة بأبناء الرعية فقال له بعض الحاضرين ياسيدنا هذا الرجل أكبر رجل في الرعية إن لم يكن في المدينة . فاعتذر منه ولكن كرامة ( أبو حاتم فوق كل شيء لأنه رجل عصامي ومسن لا يعرف الغلط فكان الموقف كبيراً جداً ) .
أثناء قيام المطران إيليا بزيارة للرعية كان نسيم أبو حاتم منها وجلس معه بجواره ولم يتوقعه سيادة المطران بهذا الحديث اللبق والممتع وخرج من بيته مسروراً .
أكرم ميخائيل إسحاق
(الجد) تعني أنه الجد غير الكنية لأنه حفيد (مسمى نسيم ووالده حاتم الجد ).
أكرم ميخائيل إسحاق
المزيد...