غريبة هي الأيام، قد تمضي أسابيع بل وأشهر من دون أن تعرف شيئاً جديداً عن نفسك أو عمن حولك، فطرة الإنسان هي البحث في النفس فهو يعطي تفسيرات وتعاليل، لما يقوم به هو وغيره من أفعال وردود فعل، و ذلك لا علاقة له أبدا بمستوى ثقافته واطلاعه على علم النفس، فهو مغرم بذلك البحث العقيم والذي يوصله إلى نتيجة مؤقتة تكسبه الرضا عن شخصه، بعد المقارنة بينه وبين الآخرين…. ولنقل إن الحظ حالفني اليوم باكتشافين صغيرين، كنت مع جدتي التي تعاني من آلام في الظهر والمفاصل بسبب التقدم في السن، في زيارة إلى طبيب العظام، لن أشغلك بالحديث عن العيادة والممرضة التي أبدت اعتزازها بمهنتها وطبيعة الطبيب صاحب الصدر الضيق الذي يسعى لتوسعته بجهد كبير على أمل تحمل شكاوى المرضى فذلك على ما أعتقد أمر معروف لا حاجة لذكره، وإنما الذي اكتشفته أن جدتي تعاني من الكبت، نعم كبت شديد، فقد بدأت تروي للطبيب آلامها بإسهاب وكأنه إحدى صديقاتها اللواتي تنفق معهن أوقاتاً طويلة في أحاديث لا نهاية لها، وهو يحاول جاهداً أن يستخلص من سيل جملها كلمة تفيده في تشخيص الحالة ثم طلب منها أن تريه الأدوية التي تتناولها وليته لم يفعل وفي لحظة كانت طاولة مكتبه تغص بأنواع مختلفة عديدة من الأدوية هذه وصفها لها طبيب سابق وتلك حبوب نصحتها بها جارتها وأخرى من عند أختها….. فأوقفها الطبيب بجهد جهيد وبعد الفحص طلب بعض التحاليل، عدنا إليه بها، ساعة كانت قد مرت فتذكرنا مباشرة وعلى أساس النتائج راح يكتب لها الوصفة الطبية وهي لا تكف عن الحديث، حتى ظننته سيكتب في الورقة تحتاج قلبا حنونا وبالاً طويلاً…..أما عن الاكتشاف الثاني فهو حقيقة يخصنا معا أنا وجدتي ولكننا مختلفتان فيه أشد الاختلاف فهي تسمح لأي كان باختراق عالمها وتهوى اختراق عوالم الآخرين فأينما جلست تبدأ محاورة مع من تجلس بقربها، بعكسي تماماً، ولا أعلم إن كنت بذلك جبانة أو حذرة، حيث أحتاج لتكرر اللقاء مع ذات الأشخاص حتى آلفهم، ولكن ما إن يحدث ذلك حتى أصبح أشبه بجدتي كثيرة الكلام وثرثارة في كل شيء…..
نزهة السيد