قراءة أولى في ايقاعها.. هي مجموعة شعرية جديدة للشاعر الدكتور أنس بديوي

الشاعر على حد قول (نازك الملائكة):
لا يعظ بل يغنّي(!!)
وهذه المجموعة الشعرية الجديدة للدكتور الشاعر (أنس بديوي) الصادرة منذ وقت قريب، لها ايقاعها الغنائي الجديد.. بل لها حداؤها المتجدد، وغناؤها القريب- البعيد!!
هذه المجموعة لها عشبها البرّي المتشابه.. ولها زهرها الملوّن الصارخ، لها حرصها وامتناعها على القارئ العجلان..
ولها حضورها الباذخ على المتأمل الحصيف(!!)
***
(أنس بديوي) يريد في هذه المجموعة الشعرية أن لا يكون ملتزماً بشيء يريد أن ينبذ نظام الشطرين، ويريد أن يفتح أمامنا الآفاق!! كيف؟!
هو يبدأ مجموعته بعنوان مشاكس (إيقاعها.. هي)! وأي ايقاع هذا الذي بين يدي القارئ؟!
لقد بدأ قصائده أولاً وهي اربع قصائد الأولى بدأها على البحور الخليلية (قف يا أنا_ أيقونة الجمر- كان حباً- إلى قريتي معردس)
ثم انتقل إلى التلوين من نص إلى نص من الصحفة (18) إلى الصفحة (80) من (أجب أيها الشعر) إلى (رماد الأغنية) مروراً بـ (إيقاعها هي- ودخان الهيكل- مع البياض- ربما كان حلماً- أنثى الرماد- تساؤلات- لاتبسط يدك أيها الموج- النبوءة هكذا- قصة الميلاد- عطش- قاب قوسين- الراحلون- للنص تتمة- هذا الكم- نص مسرحي- رماد الأغنية).
وهذه القصائد في مجملها ترتكز إلى التفعيلات الأصيلة، تتلون معها، وتفتح الآفاق أمام القارئ الحصيف، وكاتبها يريد أن يأخذ بيد قارئه إلى ساحة البوح، ساحة الإفضاء، ساحة المشاركة!!
كاتبها- الشاعر له أسلوبه المستحدث الذي يرتكز إلى موسيقا التفعيلات الأصيلة.
الشاعر هنا طائر يحلّق عالياً ليصلنا بالجمال يصلنا بهذا الحضور المدهش يصلنا بالحياة ورحابتها ، يصلنا بالكون من حولنا. هو ليس واعظاً، بل هو مغنّ ينشد أناشيد بوحه الذاتي، بوحه الوجداني (!!).
***
وهذا الشعر –هنا- في هذه المجموعة تصحبه معاناة، تصحبه مكابدة، تصحبه روحية موصولة بما في الحياة، بلى صاحبه لايعظ ولكنه يغنّي، صاحبه ينفعل ويعاني، يعيش متفتّح النفس، قلبه ينبض مع الطبيعة والحياة بكل مافيهما من عمق ومعنى، والمعاناة الخصبة لاتعيش مع الصخب والضجيج!!
المعاناة الخصبة لابد لها من الصمت والعزلة والفراغ حتى تنبثق أورادها وتفوح عطورها(!)
***
صاحب هذه المجموعة الشعرية يعاني!
لكنه يريد أن يلوّن الحياة.. ويريد أن لايلتزم..
يريد أن ينبذ نظام الشطرين..
يريد أن يفتح أمام قارئه الآفاق..
والشعر – بعامة- هو معاناة .. الشعر معاناة روحية موصولة يصحب الشاعر فيها ذاته، ويعيش منفتح النفس.. وسيلته هذه الصور الأخاذة البسيطة، وسيلته هذه الرموز الموحية، وسيلته هذه اللغة الشفيفة الرقيقة!!
***
ولنا أن نسأل أنفسنا عما قال الخرّاصون
ولنا أن نحشد طقس الحاضر
للغائب كي يعرف اسم المفعول
هشاشة فاعله المأفون..
حديث أبي..
هل عندك قطعة خبز للفقراء
كسرة قلب للضعفاء (!)
من نص (هذا الكم) ص64
بيني وبينك ضحكة
وكأن في عينيك شيئاً
خذني إلى شطيك أيها الفرح الحزين (!!)
في النهد أغنية / وفي المهد احتيال الطفل (!!)
من نص (قاب قوسين)
أقبلها بدفء دمي
وتسألني عن الكلمات ضحكتها (!)
من نص (قصة الميلاد)
ليست لنا ألوان من يبكي علينا يارياح
ليست لنا وزماننا زمن سفاح
كيف استطاع البحر أن يغتال سروك ياجبال؟
وهل استطاع ؟
دمعي ودمعك يستباح
دمعي وصوتك سارية
كفن يلفّ شقاءنا
كانت الاشجار تشكو للحنين
حرائق الفلك الجميل/ هيا تقدّم لاتخف (ص79)
القصيدة لدى (أنس بديوي) تستجيب لعدة مستويات من التفسير والتأويل، تقبل النقد، وتقبل القياس إلى الرؤى الواقعية.
تقدّم بين يديك منطقها الخاص، أحياناً لدى الشاعر سوداوية تطبع بعض نصوصه، احياناً تتجلى نفسه القلقة- المعذبة، أحياناً لديه شكوك، لديه بعد عن اليقين، وأحايين أخرى يدفع بالخيبة أمامنا أكثر من أن يعمر بالفرح أو التفاؤل!!
***
و(أنس بديوي) في كل لمحة يعود إلى الجذور، كأنما يشدّه التراث إليه، وتشدّه تطلعاته الذاتية، تشدّه أيضاً طموحاته.
ليكتب لنا نصاً مميزاً، نصاً جديداً معافى، فهو يعود إلى أصله، يعود إلى ذاكرته الأولى يستلهمها!!
وللشاعر توق إلى النأي عن القصيدة التقليدية، فهو يريد أن يوقّع على وحدة التفعيلة أو يقترب من القصيدة المنثورة.
بمعنى آخر هو متأثر بحركة الإبداع الشعري الجديد. أو هو يقف على درجات الشعر متحمساً راغباً في أن يجمع بين التجديد المعاصر وروح الإيقاع العربي (!!)
وبعامة هذه المجموعة الشعرية (إيقاعها .. هي) لها وقعها المميز، لها فضاؤها الجديد، لها التصاقها بالحاضر.. المتقدّم!!
حاشية:
إيقاعها هي / مجموعة شعرية من منشورات وزارة الثقافة دمشق 2019

المزيد...
آخر الأخبار