بدأت مشكلات مابعد الزواج وكظاهرة جديدة عند أغلب المتزوجين سواء خلال سنوات الحرب أو قبلها، وهي تحديد النسل وهو مايعتبر قسرياً والسبب ظروف الحرب وما نتج عنها من مفرزات اقتصادية وصعوبة في تأمين العيش بطريقة كريمة، فتدني مستوى المعيشة وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، مع بقاء الأجور على حالها.
هذا أدى بالكثير من العائلات بتحديد النسل مجبرة على ذلك، لعدم قدرة المعيل على إعالة أسرة تتألف من أكثر من طفل أو طفلين
. يقول ياسر وهو موظف عمري ٢٦ سنة، وأب لطفلة وحيدة، متزوج منذ ٣ سنوات، ولم أتجرأ مجرد التفكير بإنجاب طفل آخر، فنحن بالكاد نستطيع تأمين متطلبات المعيشة بأدنى حدودها رغم أني أحب إنجاب طفل آخر.
وتابع: «راتبي لا يزيد عن 40 ألف ليرة، وأعمل مساءً بعد دوامي في مطعم بنحو 70 ألف ليرة شهرياً، وزوجتي لا تعمل، وأعاني حالياً من عدم القدرة على تأمين معيشة عائلتي الصغيرة، وإن بقي الحال على ما هو عليه لن أستطيع أن أقدم على خطوة إنجاب طفلٍ ثاني.
الاكتفاء بطفل واحد وطرق خطيرة لمنع الحمل
غالبة الشبان الذين تزوجوا في الآونة الأخيرة أي خلال سنوات الحرب ، اكتفوا بإنجاب طفل واحد أو طفلين فقط.
أما الذين تزوجوا منذ ثلاث سنوات، أو أقل بالتزامن مع فقدان الليرة السورية لقيمتها، قاموا بتأجيل فكرة الإنجاب من أساسها، وهم بانتظار تحسن ظروفهم المادية يقول ماجد وهو متزوج منذ سنتين، إنه لا يفكر حالياً بإنجاب الأطفال لأن الوضع المادي الذي يمر به صعب، وإنه لم يخرج حتى اليوم من ديون تكاليف زواجه، ويسعى حالياً لإيجاد عمل لزوجته، حتى يستطيعا التفكير بالإنجاب
ماذا يقول الطب؟
عدد من الأطباء ممن التقيناهم أجابوا إنه «كلما تقدمت المرأة في السن تكون عملية إنجاب الأطفال أصعب عليها وأخطر على الطفل، لكن يزورنا يومياً في عياداتنا أزواج يريدون طرقا لمنع الحل أو لإجهاض الطفل. وبغض النظر إن كانت عمليات الإجهاض مسموحة أو لا، إلا أن رفض إجراء العملية لا يحل المشكلة، فقد تلجأ النساء إلى عيادات أخرى خطرة أو طرق تؤثر على صحتها لإجراء المطلوب، والجميع يبررون توجهاتهم بذلك لضيق الحال.
كما تقاطعت آراؤهم حول الحالات التي تأتيهم وبكثرة هي مؤشر بسيط جداً عما يحدث في الحقيقة وعلى أرض الواقع، لأن معظم الأزواج يعتمدون على الموانع الطبيعية، أو الصيدلانية كالحبوب والهرمونات لمنع الإنجاب من أصله، ولا يأتون إلى العيادات.
وعن نفقات الحمل والولادة فهي أكثر ما يمنع الأزواج عن إنجاب الأطفال، هذا غير قضية تأمين نفقاتهم اليومية.
بالأرقام
تكلفة الولادة في المشافي الخاصة تتراوح بين ١٠٠ إلى ١٥٠ الف ليرة مابين ولادة طبيعية وقيصرية ويحدد المشفى أجرة العملية ، فضلاً عن وجود زيارة دورية للحامل إلى العيادات.
وتبدأ أجور كشفيات الأطباء من ثلاثة آلاف ليرة سورية وتصل إلى خمسة آلاف، إضافةً إلى الفيتامينات، التي يجب أن تأخذها طيلة فترة الحمل، والأغذية الخاصة بالحامل، بحسب الطبيب.
أما عن تكلفة الطفل من الحمل وحتى الولادة فتتراوح ماببن ٢٠٠- ٣٠٠ ألف ليرة بأدنى تقدير.، وهو مبلغ لا يمكن أن يؤمنه الموظف بأي شكل من الأشكال، كونه غير قادر على الادخار.
كل هذا بالإضافة إلى تكاليف عملية الولادة وأجرة المستشفى وطبابة الحامل، وهناك نفقات مثل (الديارة) وهي ملابس ومستلزمات الطفل التي يجب أن تتبدل بمقاس أكبر كل ثلاثة أشهر، هذا ولم نحسب بعد إذا ما احتاج الطفل حليبا مجففاً والذي ارتفع ثمنه، فضلاً عن الحفاضات والكثير من الإنفاق للعناية به.
فقضية إنجاب الطفل يعني الاستمرار بالإنفاق مدى الحياة، وهذا ما يقوم حالياً الأزواج بدراسته جدياً بطرح أسئلة عدة على أنفسهم منها: هل إنجاب طفل في هذه الظروف فكرة سديدة؟، وهل سنستطيع تأمين كل المستلزمات وتأمين أقساط المدارس مع الأيام؟
من هنا وجدت ظاهرة جديدة في مجتمعنا وهي التخلص من الأطفال حديثيّ الولادة عبر رميهم قرب الجوامع أو المنازل، وشهدت محافظة حماة عدداً من الحالات التي قرأنا عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذا يشير إلى عدم قدرة الأهل على تربية الأطفال بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي قضت على الفئات الوسطى، ورفعت نسب الفقر إلى أرقام قياسية.
ازدهار صقور