وفي البزاة شموخ وهي تحتضر…

قال:صديقي أبو ميمون: ما الفرق بين الشجاعة والجُبن؟ قلت:هناك خيط رفيع بينهما كالفرق بين الإقدام والإحجام، وبين الشهامة والنذالة، وبين الرجولة والخنوع ، : قال أبو ميمون: كيف تقول إن هناك خيطاً رفيعاً والمسافة بين هذه الثنائيات كببرة جداً لا يستطيع أحد إحصاءها ؟ قلت: فعلاً إن المسافة طويلة بينهما لكن هذا يتبع طبيعة الإنسان وتكوينه الثقافي وتطبعه على عادات وتقاليد غرست في نفسيته منذ الصغر حتى جعلت منه رجلين متناقضين، فمثلاً نجد هناك طائراً يسبح في الفضاء، ويحلق في الأجواء ، ويقطع مسافات فوق البراري والبحار، وتحسبه شجاعاً قوياً لا يلين له جناح، لكن في حقيقة الواقع هو جبان حتى إذا كان على مسافات شاسعة عن الأرض، بينما ترى طائراً آخر من نوع الصقور أو النسور يفترش الأرض وهو يحتضر تهابه الطيور الأخرى وتخافه وهو على فراش الموت لأن فيه شموخاً وكبرياء وإباء، وماينطبق على الطيور ينطبق على الإنسان وكل الكائنات الحية الأخرى.
قال أبو ميمون: والله صدقت القول ياصاحبي أعرف أناساً جبناء حتى إذا كانوا مسلحين، وأعرف رجالاً شجعاناً حتى إذا كانوا مجردين من السلاح، وأعتقد هذا ماتريد قوله في الخيط الرفيع الذي يفصل الشجاعة عن الجُبن ، وإن الشجاع لا يأتي بقرار ، فالقرارات لا تخلق شجاعاً أو نبيلاً أو كريماً ما لم تكن هذه السمات متأصلة في تربية الإنسان منذ البداية . وهناك من يجد في الجُبن متعة لا يعرفها غيره ، وهناك أيضاً من يجد في الشجاعة متعة، وسبحان الله لكل إنسان طبيعة تربى عليها وعايشها حتى أصبحت جزءاً من سلوكه الاجتماعي اليومي، وهذا الأمر يخضع للبيئة الاجتماعية أو الوسط الذي يعيش فيه،فالأول يرى في الجُبن والتخاذل شطارة وذكاء، والثاني يرى في الشجاعة عزة نفس وإباء، والفرق بين الاثنين في هذه الحالة كالفرق بين الأرض والسماء، لذلك صدق الشاعر عندما قال:
وفي الزرازير جُبنٌ وهي طائرةٌ
وفي البزاة شموخٌ وهي تحتضر.

أحمد ذويب الأحمد

المزيد...
آخر الأخبار