كان (الهواء) يقوم برحلته المعتادة, يسافر إلى رئتي لؤي محملاً بالأوكسجين والغازات النافعة, ثم يعود إلى الفضاء الرحيب مثقلاً بالآزوت والغازات الضارة.
وكان يدخل من فم لؤي حيناً, ومن فتحتي أنفه حيناً آخر.. فكلتا الطريقين تؤدي إلى المحطة ذاتها.
لم يكن هناك شيء يخل بهذا العمل المنتظم.. عندما همس الفم :
ـ ألا ترى ايها الهواء العزيز ـ أن حجمي أكبر من حجم جاري, وبابي أوسع من بابه؟ ألا ترى أن طريقي أسهل مروراً , ودربي أسرع اجتيازاً؟؟
تمايل الهواء العذب باستغراب, وقال:
ـ ماذا تقصد .. بكلامك هذا ؟!
ضحك الفم حتى ظهرت نواجذه.. قال بخبث:
ـ المعنى واضح أيها الهواء اللبيب!.. إنني أريد فقط أن أساعدك على أداء عملك بسهولة, وأعينك على القيام بوظيفتك سريعاً.. آه، لو سمعت كلامي, واخترتني طريقاً وحيدة ودائمة لك، لوفرت على نفسك الكثير من المشاق!
وكاد الهواء أن يقنع بهذا الحديث المعسول لولا سماعه صوتاً رقيقاً يقول:
ـ لاتصدقه أيها الهواء.. لاتصدقه, فالعبرة ليست بالضخامة والاتساع!.
والتفت الهواء إلى مصدر الصوت قائلاً:
ـ إذن ..العبرة بماذا أيها الأنف المحترم؟!!
قال الأنف بلهجة الواثق:
ـ صحيح أن مدخلي ضيق, وحجمي صغير.. لكن لدي من الصفات مايجعلك أكثر فائدة وأقل ضرراً.
قال الهواء:
ـ مازال كلامك غامضاً.. اشرح لي ماتقوله، اشرح!.
قال الأنف:
ـ ألا ترى هذه الشعيرات؟
ـ طبعاً أراها.. إنها تدغدغني دائماً!.
قال الأنف ضاحكاً :
ـ لكنها تنقيك ـ ياعزيزي ـ من الغبار والشوائب.
وسكت قليلاً: ثم تابع حديثه :
ـ وهذه المادة المخاطية .. ألا تعرفها؟.
ـ وكيف لا أعرفها , فأنا أتضايق دائماً من لزوجتها.
قال الأنف:
ـ صحيح أنها تُضايقك, لكنها ترطبك و تقتل جراثيمك.
اهتز الهواء وقال: ـ أم م م .. هذا صحيح وماذا بعد ؟.
قال الأنف:
ـ لابد أنك تشعر بأن طريقي كثيرة الانثناء والتعرجات!؟.
ـ حقاً.. أنا أشعر بذلك, فطريقك هذه تعرقل حركاتي دائماً.
قال الأنف مبتسماً:
ـ لا أيها الهواء الطيب, إنها لاتعيقك, إنها تخفف من برودتك.
ارتجف الهواء وقال:
ـ فعلاً, فعلاً .. فأنا باردٌ, وقد أؤذي ببرودتي رئتي لؤي.
وتوقف الأنف عن الكلام..
التفت الهواء إلى (الفم) قائلاً:
ـ أسمعت أيها الفم.. أسمعت؟!!
كان الفم واجماً عندما فاجأه الهواء بسؤاله..
حاول الكلام فلم يستطع
وعاد الهواء إلى الحديث بسخرية:
ـ هه.. أليس لديك ماتقوله؟!!
لم يجب الفم هذه المرة أيضاً, بل أغلق شفتيه مهزوماً.
انتهز الهواء الفرصة, ودخل من فتحتي الأنف وهو يقول:
ـ الآن .. عرفت طريقي التي سأسلكها دائماً!..
د. موفق أبو طوق