تعددت فنون التمثيل و تنوعت ، لكن يبقى المسرح سيدها ، وهذا ما أوضحه زكي طليمات منذ بداية عمله ومشواره الفني ، فكان أول من أشار لأفضلية خشبة المسرح وقدرتها على تربية ممثل ممتاز وفنان قادر، وظل طليمات متمسكاً بهذا المبدأ، دالاً إليه، حتى أيامه الأخيرة، حين صار يعتذر عن حضور المسرحيات المدعو إليها بحجة مرضه ، لكن السبب الحقيقي بائن في كلماته حين قال:(يتوقع مني أبنائي الفنانون أن أصعد على المسرح بعد انتهاء العرض لتهنئتهم، لكن أغلب المسرحيات التي قدمت مؤخراً لم تعجبني ، ولهذا أرفض أن أذهب للمسارح لكي لا أضطر للمجاملة ) . وما هذه الكلمات إلا تعبير صريح عن شدة اهتمامه بالمسرح، وخوفه من تقليل شأنه بسبب قلة الاهتمام بأركانه.
زكي طليمات
أصل العائلة من سورية ، ومن حمص بالتحديد، هاجر أحد أفراد الأسرة وهو أسعد مصطفى طليمات إلى مصر ، وأنجب ولداً سماه عبد الله ، فتزوج الأخير من امرأة شركسية الأصول ، وولد ابنهما زكي في 29/5/1899 ، كانت تربية زكي صالحة وفاضلة، ودفعه والده للاهتمام بالعلم والتعلم، فبانت إمارات اليقظة المبكرة عند طليمات الابن، ومنذ بدايته ، حيث مال للفنون بعد أن وجد أساساً لذلك ، فأسرته امتلكت حباً للفن عامة ، فانضم عام 1917 الى فرقة عبد الرحمن رشدي المسرحية ، وفي عام 1921 إلى فرقة جورج أبيض ، لكن عندما ضاق العيش به فضل (آنذاك) العمل الوظيفي على العمل المسرحي، مع صلته الدائمة بالمسرح، وفي عام 1925 ذهب من خلال بعثة الى باريس لدراسة فن التمثيل والإخراج حتى عام 1928 ، حيث حصل على دبلوم في الإلقاء والأداء وشهادة في فن الإخراج المسرحي، وعاد إلى مصر وشغل عدة مناصب فنية، وبالطبع كان له الفضل الأول بإنشاء المعاهد الخاصة بالتمثيل والفنون المسرحية، حتى أنه في عام 1954 وبدعوة من الحكومة التونسية سافر إلى تونس ليشارك في إنشاء معهد الفنون المسرحية هناك، ولم تقتصر آثار أياديه البيضاء على تونس فحسب، بل لامست أفكاره حتى المهتمين بالفن المسرحي في كل بلدان الوطن العربي وتلامذته من كبار الممثلين العرب ، أخرج مئات المسرحيات، ومثل في السينما، وترجم أعمالاً هامة، وكان له الفضل الكبير بإقامة المسرح المدرسي، ولم تخل حياته من الأعمال الخيرية والمناظرات السياسية والهم الوطني، والطرافة الحلوة، حتى أنه أسس جمعية خيرية سياسية عام 1980 تحت اسم ( جمعية الحمير) بمشاركة فطاحلة الزمان حينها أمثال طه حسين، وتوفيق الحكيم، وعباس محمود العقاد والسيد بدير وأحمد رجب ونادية لطفي وغيرهم، وجاء اختيار اسم الحمار لأنه الحيوان الأكثر تحملاً وكانت الجمعية خيرية بامتياز، إضافة إلى أن إنشاءها كان تحدياً للاحتلال الإنكليزي بسبب محاربته الفنون العربية.
توفي زكي طليمات في 22/12/1982م بعد أزمة صحية مع جسد منهك ناضل خلال /84/ سنة.
زواجه
تزوج ثلاثاً، والزواج الأهم كان من (روز اليوسف) وانتهى بالانفصال بعد/20/ عاماً بعد أن سعى للقاء روز بعيداً عن الأجواء الفنية، وطلب ذلك من أحد أصدقاء والده ، حيث كانت تربطه علاقات شخصية مع معظم الفنانين ، ويقول زكي عن أول لقاء مع روز : ذهبنا لبيتها وهي من فتحت لنا الباب، فكانت تحمل في يدها سكيناً وفي اليد الأخرى حبة بطاطا، استمرت بتقطيع البطاطا حتى بدأ الكلام عن المسرح فسألتني: هل تعرف أن تطبخ؟ فنفيت! وأردفت: هل تعرف أن ترقص ؟ فسألتها: عن علاقة الطبخ بالرقص والمسرح؟ فأجابت: عندما تعرف هذه العلاقة ستصبح ممثلاً حقيقياً. استمرت علاقتهما في حب واضح، حتى وقع الطلاق ، وعلق زكي على ذلك بقوله : ( الرجل دائماً يحب أن تبحث المرأة عنه، وروز كانت تريد رجلاً يبحث عنها، ولم أكن أنا هذا الرجل ولم تكن هي تلك المرأة) ، استمرت صداقتهما بعد الانفصال، وكان يراها ممثلة قديرة بامتياز وذات قيمة فنية رفيعة ، وكان معجباً جداً بإلقائها.
بقية
عامة نقول إن الفن بحد ذاته لا يدرس، الدراسات الأكاديمية وجدت لصقل الموهبة الأساسية، وخلق قوالب فنية تجمل تلك الموهبة المزروعة أساساً بشخصية الإنسان، زكي طليمات من الرجالات الذين ساعدوا بكتابة التاريخ والتاريخ الفني بطريقة مشرفة ، لم يكن بخيلاً بمعلوماته ولا بحبه ولا بعطائه، وهذا الكرم من سمات الفنان الأصيل، رحل جسد طليمات وبقيت روحه في طوفان دائم فوق خشبات المسارح وخلف كواليسها .
شريف اليازجي