إن أفضل مكتب سياحي في العالم هو الخيال (!!) تذكرت هذه الجملة وأنا أقرأ عن حادثة صغيرة جرت مع الكاتب القصصي الروسي ( مكسيم غوركي).
عندما كان هذا الكاتب طفلاً صغيراً!!
خرجت (أم مكسيم) ذات مساء إلى مكان ما، وتركته وحيداً مع أخيه الوليد الرضيع(!!)
فتناول الصغير كتاباً (!)
يذكر الطفل أنّ الكتاب بعنوان: ملاحظات طبيب (!) بقلم ( دوماس الكبير), لأنه لم يجد شيئاً يفعله أكثر من ذلك، وقد وجد بين صفحات الكتاب ورقة من فئة الروبل الواحد، وأخرى من فئة العشرة روبلات (!!)
وأغلق على الصغير فهم الكتاب! لكنه حين أطبقه, راودته الفكرة (!!)
إنه يستطيع أن يشتري قصة (روبنسون كروزو)!!!
وقد بلغه خبره (خبر القصة) قبل وقت يسير حين كان يقصّ على الأولاد أثناء فترة الاستراحة المدرسية إحدى أقاصيص الجنّيات (!!) فقاطعه أحدهم بازدراء وسخرية قائلاً:
ـ إن قصص الجن لاتنفع شيئاً!
أما قصة روبنسون كروزو فتلك قصة حقيقية (!)
.. وكان عدد آخر من الأولاد قد قرؤوا قصة روبنسون كروزو فراحوا يمتدحونها!!
ولقد تألم الصغير (غوركي) كثيراً من سخريتهم بقصص جدّته.. وعزم على أن يقول بعد قراءته الكتاب: إنه رديء لاينفع شيئاً(!!)
كان (غوركي) يفضل أقاصيص جوهانز أندرسون الخرافية على حكايات روبنسون كروزو الحقيقية .. فالطفل يركض وراء الخيال. والخيال يفتنه ويسحره, الخيال يستحوذ على قلبه الصغير (!!) .
وكتّاب الرواية في الشرق والغرب ـ على الأعم الأغلب يقولون:
ـ إن أعظم مؤلف للخيال الشعبي في العالم هو كتاب ( ألف ليلة وليلة)!!
ثم .. أوليست حكايات ألف ليلة وليلة نسيجاً فريداً متميزاً.. أليست بأحلامها الساحرة العذبة, وأجوائها المثيرة السحرية تأخذنا إلى عوالم بعيدة نسعد بها, ونحلق معها!!
ـ ولكن لماذا؟!
ـ لأن هذه الحكايات تعبير شاعري مذهل عن تذوق الشعوب للخيال!! وهي في سردها المدهش سجادة شرقية لها ألوانها ونمناتها وإبداعها الجميل الذي لايصدق!!
هذه الحكايات لها جمالها الأخاذ جاءتنا من الماضي السحيق البعيد البعيد لتذيع لنا بوحها الآسر على امتداد البسيطة!!
ومن يريد أن يكتب للأطفال هل يكتفي بأن يتوقف عند الملاحظة ؟! أو هل يكفي أن يدرس أو يقرر أمراً أو أن يعرف بالواقع(؟!!)
ذلك كله سهل ميسور!
ولكن الكتاب الذين يتخيلون هم وحدهم المبدعون.. والعمل الفني ليس
زورق عبور إلى الواقع..
العمل الفني هو جزء من عوالم المتغيرات المستحيلة!!
والحكايات الشعبية بعامة تنمي مخيلة الأطفال ..
الحكايات الشعبية تنهض بثرائها إلى سقف الخيال المبدع.. الخيال المحلق الذي يطوق بحرية في عوالم بعيدة.. و.. حكاية واحدة صغيرة تقدم لوحة ملونة من الحياة, حكاية واحدة تذكي المشاعر والأحاسيس, هي أهم من أي درس من دروس (الحساب والرياضيات) بل إن أي (مُدرس للحساب) لايمكن أن يصبح إلا شاعراً رديئاً على حد قول أحد الكتاب العالميين(!!)
أطفالنا اليوم لم يفتحوا أعينهم على حكايات ألف ليلة وليلة !!
أطفالنا اليوم لم يتحلقوا حول الموقد لينصتوا إلى حكايات الجدة!!
فهل يُغني ذلك (التلفاز) عما ذكرناه؟!
هل يُغني (الأنترنت) أيضاً؟
هل تغني الأفلام الكرتونية والمغامرات الساسوكية ومقالب توم وجيري, وألعاب ماجد وغراندايزر!!
أسئلة تحتاج إلى جواب..
وأي جواب!!