اختلفت التسمية و المقصد واحد… مهرجان حماة المسرحي في عامه الخامس والعشرين.. هكذا سمّاه مؤسسه الفنان المسرحي سمير الحكيم، رحمه الله! عام 1989والذي كان مديرا لدوراته الثماني الأولى.. و هكذا يصرّ عشاق المسرح على تسميته…
لا تهمّ التسميات طالما أن المهرجان مستمر و مصرّ على الانعقاد بعد تعثّر لبضع سنوات بسبب ظروف البلد.. عاد المهرجان بهمّة عشاقه و راعيه الأول نقابة الفنانين بحماة ممثّلة بالفنان معمّر السعدي رئيس فرع النقابة بالتعاون مع النقابة المركزية، و الذي حرص على إقامة المهرجان رغم العراقيل المتعددة ..و بهمّة مديرية الثقافة ممثلة بمديرها الأديب سامي طه و نائبه المهندس مجد حجازي اللذين لا يألوان جهدا في النهوض بالحركة الثقافية عموما، و كذلك بهمّة ورعاية القيادتين السياسية والإدارية في المحافظة .
هنيئا لحماة مهرجان هذا العام.. الافتتاح كان جميلا بكل فقراته و خاصة المشاهد المسرحية البديعة التي أخرجها الفنان المبدع رائد الجندلي، نجم المهرجان، برأيي .. رغم بعض العثرات في أجهزة الصوت والإعداد والذي جعله طويلا يمتد قرابة ثلاث ساعات.. أما الختام فكان جميلاً في عرضه فقيراً في خاتمته.. مواعيد العروض لم تُحترم لأسباب أجهلها.. للأسف حضر المهرجان ولم يحضر الجمهور في أغلب العروض عدا عرض شرابيك الذي شهدا حضورا شعبيا طيّبا.. الجمهور يعدّ أحد أهم عناصر العرض المسرحي.. فالمسرح هو عرض و جمهور و بقية العناصر تحصيل حاصل..
الجمهور كان ضئيلاً متواضعاً في العدد كبيراً في النوع.. والأسباب كثيرة لا ندّعي معرفتها كلها، إنما أحدها فصْل الصيف الحار وانصراف جمهور الشباب إلى السفر والاستجمام حسب تقديري.. أو أن انقطاع دورات المهرجان و قلة أو ندرة عشاق المسرح الحقيقيين كان سببا في انصراف الجمهور و تدنّي تذوق الفنون بشكل عام.. حماة حالياً لاتمتلك من المخرجين المسرحيين الفاعلين على الساحة، نوعا ما، إلا مايمكن عدّه على أصابع اليد الواحدة.. منهم الأساتذة كاميليا بطرس، عبد الكريم حلاق، يوسف شمّوط و محمد تلاوي..
عروض قليلة جدا و إمكانات مادية غير متوافرة لا شك.. إضافة إلى عن غياب الدعم المعنوي.. لكن السبب الأهم في تعثّر الحركة المسرحية في حماة برأيي المتواضع هو غياب الشغف بالمسرح، ذلك الفن الشامل الذي وهبه عمره و صحته و ماله الفنان الراحل سمير الحكيم.. رحل الحكيم و ترك أبناءه عشاق المسرح تائهين، يسعون هنا وهناك لفعل شيء ملموس في المشهد المسرحي الحموي ولكن لم يتمكنوا من إمساك خيوط اللعبة.. حماة تفتقر إلى مسرحيين أكاديميين و هم كثر في سورية، لكنهم آثروا التلفزيون على المسرح.. أغرتهم العاصمة دمشق فرحلوا إليها.. و غادر بعضهم البلد لأسباب متعددة أهمها أزمة البلد التي أتت على كل زهرة يانعة أحبّت الظهور و نشدت الحياة.. المسرح الحموي فقد أباه و عاد ليحبو من جديد..سمعتُ من الكثيرين عبارة (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ) و يقصدون غياب سمير الحكيم.. بهذا الصدد أنصح العاملين في المسرح، ممثلين و مخرجين تطوير ثقافتهم المسرحية و ذلك عبر قراءة النصوص المسرحية المختلفة وكتب النقد واقتناء مجلة الحياة المسرحية و حضور العروض المسرحية في كل المحافظات للاطلاع على تجارب الآخرين في الإخراج و تقنيات المسرح والديكور و الموسيقا.. الموهبة هي الأساس لكنها لاتفعل شيئا دون صقل و تطوير و متابعة.. تقوقعنا داخل مدينتنا يعني المراوحة في المكان وعدم التطور.. قلوبنا مع المهرجان و دعاؤنا له بالتوفيق في مسيرته الشاقة.. كل الرجاء ممّن يهمّه ازدهار المسرح دعم هؤلاء الشباب الذين تألقوا على خشبة المهرجان هذا العام.. رغم الصعوبات و العثرات أثبت مسرحيّونا بأنهم أهل للدعم والرعاية.. عروض هذه الدورة متميزة… تراوحت بين الجيّد والأجود..لم يكن هناك أي عرض هابط والحمدلله.. كل العروض امتلكت أبجدية المسرح طامحة لتقديم الأجمل.. فلدى مخرجيها إمكانات تؤهّلهم لتقديم الأفضل.. مايثلج الصدر هذا العام تميّز عرضَيْ مدينة حماة.. مديرية الثقافة و نقابة الفنانين.. (شرابيك و عواء الديك )اللذين حظيا بجماهيرية كبيرة و ذلك لتألق الممثلين في غالبيتهم و تفوّقهم في الأداء على سبيل المثال لا الحصر الشاب محمد شيخ الزور في عرض شرابيك، ولعل لاسمه نصيب من سميّه الفنان الراحل المبدع محمد شيخ الزور رحمه الله، كما تألّق الفنان الشاب فؤاد كعيّد ،ابن الفنان الراحل المتميز مختار كعيّد رحمه الله، في عرض عواء الديك..
المهرجان بعروضه الجميلة الموفّقة حضر كطبق رئيسي شهيّ و غابت المقبّلات و المكمّلات لأسس نجاحه و أهمها النقد والتغطية الإعلامية النقدية اليومية في وسائل الإعلام التي اقتصرت على الأخبار والصور و تسجيل الحضور لا أكثر..
أين صحيفة المهرجان اليومية التي كانت تُوزّع على جميع الحضور في مهرجانات حماة المسرحية الأولى والتي كان الكتّاب الصحفيون الحمويون و الضيوف يتسابقون للكتابة فيها عن عرض اليوم السابق؟ أين ندوات النقد التي كانت تُعقد عقب العرض مباشرة قبل أن يجفّ عرق الممثلين؟ وكان يحضرها ضيوف أكاديميّون و خبراء في فن المسرح والإعلام الذين كانوا يأتون لا كضيوف ينشدون الأضواء و تسجيل الحضور والإقامة في فنادق 5 نجوم .. بل كانوا يقيمون في فنادق متواضعة و كلهم فرح و محبة للمشاركة في ارتقاء المهرجان الذي كان يضاهي المهرجانات العربية و بعض العالمية من حيث التنظيم و التنسيق و الغنى بالنشاطات الثقافية الموازية كندوات عن مسرح الطفل و سواها.. أين حفل الختام الباهر الذي كان يُبكي الحضور و هم يودعون المسرح إلى العام التالي؟ أين توصيات القائمين على المهرجان، من نقاد و مسؤولين لتقييم الدورة الحالية والارتقاء بالدورة التالية بمشاركة المهتمين من الحضور والاستفادة من آرائهم؟ رغم كل شيء نحن سعداء بعودة المهرجان و نهنّئه على العودة بإصرار بتقديمه عروضا كانت كلها وللمرة الأولى على مستوى جيد ولائق.. عروض هذه الدورة الفضيّة جاءت لائقة و تستحق الثناء..
تحية للمهرجان و رُعاته و مسرحيّيه و إلى مزيد من الارتقاء في الدورة القادمة إن شاء الله!.
وفاء السمان