ليس من الإنصاف هنا أو في غير موضع أن نناقش مشروعية قصيدة النثر من عدمها..
وهل هي تنتمي إلى ثقافتنا و موروثنا الثقافي أم لا ..الخ
وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن ( قصيدة النثر ) – مع اختلاف البعض حتى على المصطلح أو التسمية – أصبحت واقعا ملموسا فرضت نفسها وأثبتت جمالياتها كغيرها من الأجناس والألوان والمدارس الأدبية على أيدي كتاب وأدباء معروفين ( محمد الماغوط – أدونيس – انسي الحاج – جبرا ابراهيم جبرا – عباس بيضون ..الخ )
وأما في ما يتعلق بتلك الصيحات التي تنطلق هنا وهناك في محاولة منها إلصاق (قصيدة النثر) بالغرب وبأنها حالة طارئة ووافدة على ثقافتنا أقول من قرأ أو يقرأ بعض كتب التراث يدرك أن( قصيدة النثر ) من عمق موروثنا وتراثنا الثقافي والأدلة كثيرة وجلية مثل ( طواسين الحسين بن منصور الحلاج – كتابات النفري – وما كتبه أيضا ابن حزم والصاحب بن عباد وبديع الزمان ..الخ )
ومن المحزن أن يعتبر البعض أن إشاراتنا بالهشاشة والوهن والقبح إلى بعض ما ينشر وما يطبع وما يعرض على انه إساءة لـ ( قصيدة النثر )، وأتوقع لا بل أجزم أن هذا الاعتبار ينم عن فهم خاطئ لقصيدة النثر ..لمفهوم قصيدة النثر ..لشروط وقواعد كتابة قصيدة النثر
أخال أن الشعر الحقيقي لا يخفي نفسه ومن يريد أن يكتب قصيدة نثر حقيقية يجب أن يعي ماهيتها وأصولها وان يقرا لأهم روادها حينها لن يضطر لا إلى التكسير في الوزن ولا إلى إقحام القافية ..وثمة أمثلة باذخة في مشهدنا الشعري السوري الشاعر الأصيل رياض صالح الحسين على سبيل المثال لا الحصر في مجموعاته الشعرية الهامة :
خراب الدورة الدمويّة – مطابع وزارة الثقافة -دمشق1979
أساطير يوميّة – مطابع وزارة الثقافة – دمشق 1980
بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس – دار الجرمق – دمشق 1982
إن قراءة واعية للمشهد الشعري العربي عامة والسوري خاصة يدرك أن ثمة أسماء برزت من خلال اشتغالها الواعي والعارف على قصيدة النثر وهذا الاشتغال عكس تطورا وتناميا هاما للشعرية ومنسوبها المطلوب في النص من أهمها تلك الأسماء السورية ( محمد الماغوط – رياض صالح الحسين – وخير الدين الأسدي في كتابه (جب القبة)- بندر عبد الحميد – ومحمود درويش و أدونيس و محمد عمران في كتاباتهم النثرية ..إضافة لشعراء كثر مثل محمد عيسى – فايز العراقي ( ناهض حسن) – أصف عبد لله – محمد عضيمة – ..الخ )
وفي المقابل أيضا يتضح ومن خلال قراءة سريعة أو حتى متأنية لحال مشهدنا الشعري أن ثمة طبقة طفيلية نمت وتنامت في الظلّ ومازالت تتسلق على نوافذ صباحاتنا وعلى شرفات قلوبنا
كل هذا وذاك يدفعنا لأن نكون أكثر مسؤولية وحرصا على تقديم الأجمل والأميز، وأن نكون أكثر جرأة في الإشارة وبالفم الملآآآن لمواطن ومواضع الهشاشة والوهن والقبح.
عباس حيروقة