في عالم يضج بالتناقضات الصارخة ,تسكننا الخيبات المتلاحقة ,فيسعى البعض للهروب من هذا العالم ,بعد أن أصابه العجز في المقتلة , ليبني عالماً آخر بعيداً عن البشر ,ويبني مملكته الخاصة ويتعامل مع الحيوانات , ربما هي هلوسة أو هو الجنون بعينه ,نراقب بوحه فوق صفيح ناري , وهو يتألم …ويحلم ..هل هو كابوس …أم ماذا…؟
طلال نصر الدين ينتصر للمهمشين
إلى ….س…..ما أعجز الكلمات..!
بهذه الكلمات المبهمة يدون الكاتب والمخرج المسرحي الراحل طلال نصر الدين , مقدمة نصه المسرحي الذي يحمل عنوان ( ديك المزابل) ليقدم لنا شخصية عجوز(المنفي)أو نفى نفسه وابتعد عن المجتمع …في جحره أم مملكته كما يدعي يبتدع عالماً لم يقاربه البشر من قبل , يثير الكثير من الأسئلة الموجعة ليصدمنا بواقع أيل للسقوط ,وفي لحظة حرجة يلتقي بشاب هارب من وجه العدالة , ويشتد الصدام بينهما, بين من ارتضى النفي الاختياري وبين اكتشف متأخراً القبح الذي يغزو المجتمع ومن جميع الجهات .
كيف قدم المعد والمخرج رؤياه….؟
قام بإعداد النص الفنان رائد الجندلي فحذف أشياء وأضاف القليل , وكون النص في مكتبتي الخاصة ويحمل إهداء من الكاتب المخرج طلال نصر الدين (رحمه الله)فقد وضح أمامي ما قدمه المعد (إضافة لتحويل النص للعامية) وما حذف منه , لكنه ظل أميناً على جوهر العمل , رغم عدم اقتناعي (بالعامية) كخطاب مسرحي ,والفن يحتمل وجهات نظر متباينة وأحياناً متناقضة , ولكن ما يؤخذ عليه هو غياب الحلول الإخراجية ,وإن حضرت فهي بشكل خجول ولم يستطع المخرج أن يقدم حلولاً بصرية ترتقي بالنص المسرحي , وخصوصاً أنه وضع في عمق المسرح وفي أطرافة كتلاً ضخمة من النفايات ( وكأنها جبال ) وكأن كتلة واحدة لا تكفي ,هناك مقولة في علم المسرح يعرفها العاملن فيه وهي : يكفي أن تضع غصناً أخضر حتى يزهر المسرح , ولم يستثمر هذه الكتل المتوضعة بشكل قبيح جداً (في الصراع الدرامي) وبدأ واضحاً أن الشجرة كانت عبئاً على العرض فلم تستثمر إلا في حركتين فقط , وإذا كان المدخل للعرض المسرحي جميلاً ,ولكن مدة العرض الطويلة (نسبياً) أصاب العمل في المنتصف وقبل النهاية بالترهل والملل , وذلك لتكرار أفكار نفسها وغياب الحلول التي تحمل الدهشة والمتعة , (أعتذر) بأنني لا أعلم أي شيء سابقاً عن تجربة المخرج , ولكن هذا لا يمنع من القول بأنه أقدم على مغامرة يستحق الثناء عليها وإن اختلفنا في الرؤيا, وأتمنى أن تكون تجاربه القادمة أكثر نضجاً وحضوراً .
الأداء….
لعب دور الرجل الفنان فؤاد كعيد وله رصيد لا بأس به من الأعمال , ولكن هذه التجربة الكبيرة في الحضور( الزمني والدرامي) أرهقته كثيراً , ورغم قلة التلوين (كأداء) إلا أنه حافظ إلى حد ما على سوية العمل , ولعب دور الشاب الفنان أيهم عيشه، اجتهد كثيراً في العمل ولكن كونها شخصية محورية وأساسية فكانت عبئاً عليه , حاول أن يقدم أفضل ما عنده …..
متممات العرض ..
سينوغرافيا لراتب جعفر وأحمد سلهب , فعلاً حضرت في بداية العرض والنهاية وكانت جميلة، وغابت ……تنفيذ الديكور علي المعمار وسيبار السامح، (من صاحب فكرة الديكور؟ لا نعلم من…؟ ونفذ الإضاءة فادي الياسين، وصمم الموسيقا أيهم عيشه، وكنت أتمنى أن تحضر أكثر وخصوصاً هناك مفاصل هامة بالعرض ونفذ الموسيقا م خالد موصلي .
في الختام
ربما نختلف في تقييمنا لأي عرض مسرحي ولكنني حريص على هذا العرض الذي يخص محافظتنا الجميلة، وهؤلاء الشبان العاشقون للمسرح بحاجة لذخيرة فكرية وفنية كبيرة ,كي ننهض بواقع مسرحي عادي (ليس سيئاً ولا جيداً) لنتخطى العتبة نحو التألق .
محمد أحمد خوجة