عينُ الرضا يارضا ولهى بعنَّابِ
هامتْ بها سَكَراً من غير أعنابِ
آيٌ من النورِ إنْ أرختْ جدائلَها
رأيتَ فيهانجيَّ اللهِ في الغابِ
صوفيَّةُ الوجدِ كم لوَّنتَها صوراً
رتَّلتَها سـوراً في طُهْر محرابِ
ناديتَها فَرَنَتْ لمّا رأتْكَ هَمَتْ
من سَلْسَلِ النورِ شلاَّلاتِ أطيابِ
وهَبْتَها من شَهِيَّاتِ الصَّبا نغماً
ومن فتونِ الصِّبا ورْدِيَّ جلبابِ
إلياذةَالغابِ ياعنَّاب يا ولهي
سـبحان حسنِكِ أخَّاذاً بألبابِ
كرمى لعينيكِ ما أحببْتُ فاتنةً
إلاَّكِ إلاَّكِ يا حبي وأحبابي
هزِّي إليكِ بجذعِ النَّخلِ واتَّخذي
في الصحو في المحو مرسي شطَّ أهدابي
زلفى أجيئكَ طال الصمتُ معذرةً
يا سيد الشعر لي عذْري وأسْبابي
لمَّا حروفُكَ أغوتْني مفاتنُها
وافيتُ كاللمحِ أبدي دفءَ إعجابي
فَلَذَّةُ الدفءِ في كانونَ أعذبُها
لاخير في الدفءِ إنْ وافاكَ في آبِ
لو مسَّك الضرُّ لمْ تأْبهْ به نُزُلاً
أو عضَّكَ الجوعُ تسمو غيرَ هيَّابِ
ياكم شكوتَ زماناً لاأمانَ بهِ
وكم تعوَّذْتَ من مكنونِ عَرَّابِ !
قناعُهُ الطُّهرُ إن أبدى سرائرَهُ
تماوجَ الغدرُ بين الظُّفرِ والنَّابِ
تخافُه الناسُ إمّا أمّ مجلسَه
مخافةَ الطيرِ من سكِّينِ قصَّابِ
إنْ مالتِ الشمسُ عمَّنْ كان يعبدُهم
توَّاً يبدِّلُ أرباباً بأربابِ
ياسيد الشعر قُمْ حَدِّثْ أصالتَنا
أصِّلْ حداثتَنا في وجهِ أغرابِ
بستانُ فنِّكَ ياتفَّاحُ من ألقٍ
سربٌ من الحسنِ يتلو فوجَ أسرابِ
من كوثر القلمِ السحريِّ سُكَّرُهُ
هلَّتْ مواســمُ أشعارٍ وآدابِ
مابين آهٍ وآهٍ ألفُ أغنيةٍ
إكسيرُ قدُّوسِها تسـبيحُ أوَّابِ
من وابل الفنِّ تسقي الشعرَ مَوْسَقَةً
ومن هطيلِ النَّدى كالسّحرِ منسابِ
ماعدتُ أعرفُ من أحلاكما نغماً
عزيفُ لحنِكَ أم ألحانُ زريابِ؟
حلَّقتَ في الفَسْر صِنْوَ النَّسر توسعُه
شرحاً وتوغلُ في نحوٍ وإعرابِ (1)
أسرى بكَ الشعرُ نحو المُرْتَقى صُعُداً
لسدرة النورِ لم تأبهْ بألقابِ
نسيجَ وحدِكَ يا دَفْقَ الرؤى لغدٍ
لمثلكَ الفنُّ قوَّامٌ لدى البابِ
أُكِنُّ نحوَكَ قدراً لستَ تعلمُهُ
صمتي ونطقيَ قد دَلاَّ على مابي
تكريمُكَ اليومَ تكريمٌ لأمتنا
عرسُ الثقافة في تكريمِ كتَّابِ
لك الخلودُ بساحِ الشعرِ لاعجبٌ
يا منْ رضعتَ الهوى من ثديِ عنَّابِ
———————–
مصطفى صمودي
1 – الفسرُ كتابٌ في خمسة أجزاء حقق فيه الشاعر د. رضا شرح ابن جني لديوان أبي الطيب المتنبي