يحتفي كثيرون – أنا واحد منهم- بالذكرى السنوية الأولى لرحيل «عراب الفرح الإنساني» الأديب حنا مينة الذي غادر دنيانا الفانية في آب 2018 …
-2-
قبل عشر سنوات من رحيله شارك في غير نشاط ثقافي في حمص وحماة، ومن ذلك محاضراته في رباح والسقيلبية وحماة.
-3-
واجهت اللجنة الثقافية التي تنظم استقباله في مؤسسة أهلية الطوابع مصاعب في استقبالها الأديب الكبير حنا مينه بعد أن استقبلته السقيلبية قبل مدة بالطبل والزمر، وجعلت رباح من استقبالها له تظاهرة ثقافية على مستوى حمص والوادي، من تلك الصعوبات أنّ من أخذ على عاتقه اصطحابه من الفندق في حمص إلى حماة صباح الجمعة في اليوم التالي لعشائنا الحمصي، تعرض لوعكة صحية طارئة حالت دون تحقيق المراد، والوقت لم يعد يسمح لواحد منا بالسفر ذهابا وإيابا، فلا بد من حل بإيجاد شخص من أهل حمص لهذه المهمة، وحضر الاسم: وجدان محمداه التي حازت الماجستير عام 2004، (بإشرافي العلمي المتواضع)، بدراستها صورة الآخر في رواياته، تلك الدراسة التي جعلتها تزوره زيارات عدة في دمشق، لتعميق ما تجمعه من معلومات وتوثيقها، مما جعل صلاتها به تصل مرتبة تتلمذها له، ومرتبة الصداقة مع أديب من مستوى راق…
كل شيء سار بما يخفف من قلق المنتظرين، وها هي وجدان مع رفيق دربها المحامي نبيل الأنصاري يصطحبان ضيف حمص وحماة الكبير، إلى القاعة المخصصة للقاء، وقد غصّت بالحاضرين…. زرته غير مرة في مراحل دراستي في جامعة دمشق في النصف الثاني من السبعينيات، في مكتبه بوزارة الثقافة عارضاً أمامه اهتمامي بكتابة الشعر والمقالات الأدبية، مكتشفا كل مرة أنني أمام أستاذ كبير، وقد تبين لي يوما بعد يوم أن الشعور بأستاذيته العالية يكاد يعم المشهد الثقافي السوري، فلما علمت أنه لم يتجاوز مستوى الشهادة الابتدائية في دراسته، عجبت من ذلك حتى ترسخت قناعتي بأن الأستاذية العالية لا تقوم على ورق الشهادات بقدر ما تقوم على قراءة مكونات الوجود والعالم في دفاتر الحياة…
-4-
في عام 1984 زار حنا مينة حماة والسقيلبية، مشاركا في افتتاح مركز ثقافي جديد بإحدى قرى الغاب، وتحول الافتتاح بحضور السيدة وزيرة الثقافة اللامعة د.نجاح العطار وشخصيات رسمية وثقافية واقتصادية إلى احتفاء واسع لمحافظة حماة بضيوفها الكرام، وقد كرمني الله بوجودي قرب الأديب المحبوب حنا مينة، فالتقطت لنا صور يظهر فيها زميلي وصديقي الشاعر توفيق أحمد (الصورة المرفقة منها) الذي تعمقت صلاتي به على سندس من حوارات تلك التظاهرات الثقافية، نتفق حينا ونختلف حينا لكننا نبقى محافظين على بساط موداتنا…
وقد تكررت مثل هذه الظواهر الثقافية في حياتنا معمقة مكانة هذا الأديب في القلب والعقل والوجدان…
-5-
لما أنجزت طالبة الدراسات العليا وجدان محمداه رسالة ماجستير بإشرافي العلمي المتواضع، في دراسة صورة الآخر في رواياته، تكرم بحضور جلسة المناقشة العلنية للرسالة عام 2004، ورتبنا موعدها في يوم عيد ميلاه الثمانين، ورتبت صاحبة الرسالة احتفالا لائقا بإنجازها رسالتها وعيد ميلاد الأديب الذي درست رواياته، فكان النهار مزدانا بألق منحته باقة ورد كبيرة للتهنئة موقعة بالاسم الجميل للصديق عيسى عبود دلالات مودة خاصة.
-6-
شاركت في مؤتمر علمي بجامعة فيلاديفيا الأردنية ببحث متواضع عن رواياته، فلما أنجز الأديب د.عبدالله أبو هيف كتابه عن نقد أدب حنا مينة، منح بحثي المقدم في المؤتمر المذكور عناية كريمة من دراسة كتابه.
-7-
ذكرت الاسم الجميل لحنا مينة في المقطع الخامس والأخير من قصيدة نثرية بعنوان «استمرتر» ضمها ديواني الذي فخرت به دائما، واعتز به معظم أصدقائي المقربين «أبي ينحت الحجر» الصادر عن اتحاد الكتاب (1994) في الصفحة 108، وفيه:
لا يوجد «برلمان» في البحر لكنه يرقص باستمرار فخورا بأبطال «حنا مينة
بالأساطيل… بالقراصنة بالمسافرين البسطاء بالمراكب المنتشية،
بدماء القبائل بالصَدَف والمحار
ومن يعرف إذا كيف يجد البحر
كل هذا الوقت الكافي للمزاح مع تماثيل الشاطئ بلا برلمان ولا حكومات…
د.راتب سكر